طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

ضربات تحت الحزام

قال نجيب محفوظ لو كنت أعلم أن قصصي سوف يقرأها البعض لكي يتابعها آخرون مسموعة، لكتبتها على الفور بطريقة أخرى أكثر بساطة حتى تتوافق مع طبيعة الجمهور، «الأوسكار» اتخذ قراراً بأن يمنح بداية من الدورة المقبلة 2019 جائزة الأفضل للفيلم الأكثر تجارية والذي يقرر لمن تذهب هو الجمهور، قبل عامين منحت إدارة «نوبل» الجائزة العريقة والأكثر مصداقية مهما اعتراها مؤخراً من عواصف تنال منها، إلا أنها منحت الجائزة للمغني والمؤلف والملحن الشعبي الأميركي بوب ديلان.
هل تجد توافقاً مشتركاً بين الثلاثة مقاطع؟ الإجابة هي ألا يتعالى المبدع ولا مانحي الجوائز على ذائقة الناس، العمل الفني قي نهاية الأمر منهم وإليهم، وتكفي كلمة نجيب محفوظ أنه كان سيكتب بطريقة أخرى حتى يتوافق مع ذوق الجمهور.
انظر لما يجري حالياً على الساحة الغنائية العربية، ستجد صراعاً عالي الصوت على جائزة «الميوزيك أوارد»، التي تمنح للمطرب الأكثر مبيعاً، صحيح أن الجائزة تحوطها الكثير من الشبهات، إلا أن الصراع لم يتوقف حتى الآن للحصول عليها، بما تحمله مباشرة من دلالة رقمية.
انظر لما يجري على الساحة السينمائية في مصر، ستجد صراعاً حاداً بين تامر حسني ومحمد رمضان، كل منهما يدعي أنه الأول ودخلت شركتا الإنتاج في الحرب الدائرة، وحدثت مع الأسف تجاوزات لفظية، من الممكن أن تجدها قريباً منظورة أمام ساحة القضاء.
الرقم الذي يحققه العمل الفني هو شهادة من الجمهور، ولكن يجب ملاحظة أن هناك فرقاً بين جمهور العيد الذي يقطع التذكرة من أجل الحصول على وجبة محددة، فهو جمهور استثنائي لديه «عيدية»، وعندما تتبدد في يومين أو ثلاثة تنتهي علاقته بالسينما، وهو لا يريد سوى الفيلم «الأكشن» أو «الكوميدي».
التراشق الرقمي لا يتوقف بين تامر (البدلة) ورمضان (الديزل)، كل منهما يدعي أنه الأول (نمبر وان)، رمضان غنى لنفسه كنوع من المكايدة بالآخرين «نمبر وان» و«الملك»، والمكايدة الغنائية ليست بعيدة عن تراثنا الفني، وردة مثلاً قالت في إحدى أغانيها (ناس ما بتحبش راحتنا/ كل يوم قاعدين في بيتنا/ ويطلعوا يجيبوا في سيرتنا) وكانت تقصد مجموعة تسهر في بيتها أثناء زواجها هي وبليغ، ثم تذهب لعبد الحليم حافظ وتكمل سهرتها هناك، وتبدأ في التشهير بهما، ووصف عبد الحليم الأغنية بأنها تقع تحت طائلة «النميمة».
عمق الصراع غير المعلن هو الرغبة في الاستحواذ على ألحان بليغ، بين عبد الحليم حافظ الصديق، الذي شكل مع حليم منذ منتصف الستينات وعلى مدى عشر سنوات توأمة فنية، وأيضاً وردة الزوجة، التي وجدت أن من حقها أن تحصل هي أولاً على أي لحن يروق لها، قبل أن يعرضه على عبد الحليم، زادت سخونة الصراع أحياناً، إلا أنه في النهاية كان يسفر عن أغنيات رائعة.
الصراع يشكل جزءاً من الحياة الفنية ولم تخل منه أي حقبة على مر العصور، هل ما نراه هو حقاً صراع؟ أم خناقة توصف في الأحياء الشعبية بأنها «فرش ملاية» بين خصمين كل منهما يدعي أنه الأكثر جماهيرية؟ لست ضد أن يبحث الفنان عن النغمة الدرامية أو الأدبية أو الغنائية الأكثر شعبية للوصول للناس، إلا أن ما نراه ليس صراعاً على الأكثر نجاحاً، لكنه الأكثر قدرة على «مرمطة» المنافس وتوجيه ضربات قاتلة إليه تحت الحزام!