فهد الخيطان
TT

«الأونروا»... الموت خنقاً

تواجه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) خطر الإفلاس. أزيد من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في الضفة الغربية وغزة ومناطق عمليات الوكالة في الأردن ولبنان وسوريا سيغدون بلا خدمات صحية وتعليمية إذا لم تتمكن «الأونروا» من سد العجز المالي المتفاقم.
الأخطر على هذا الصعيد أن قطاع التعليم في الوكالة لا تتوفر لديه المخصصات المالية اللازمة بعد شهر على بداية العام الدراسي الجديد. مع نهاية شهر سبتمبر (أيلول)، ستنفد الأموال من خزينة قطاع التعليم، وسيجد نحو نصف مليون طالب فلسطيني أنفسهم في الشارع بلا مدارس أو تعليم.
الولايات المتحدة أكبر المساهمين في موازنة «الأونروا» منذ تأسيسها قبل 68 عاماً. لكن مع تبني إدارة دونالد ترمب مقاربة مختلفة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، أصبح مصير الوكالة الدولية على المحك.
في وقت مبكر على تولي ترمب سلطاته، بدأ كبار المسؤولين من حوله يبحثون بالطريقة المناسبة للتخلص من «الأونروا» بوصفها عقبة أمام جهود تسوية النزاع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. استمرار وجود الوكالة من وجهة نظر إدارة ترمب، يعني إبقاء حق العودة مطروحاً للتفاوض، في وقت قررت فيه الإدارة الأميركية إعادة تعريف قضايا الحل النهائي قبل التفاوض عليها وفق منطق المبادرة الأميركية للحل، والمعروفة إعلامياً باسم «صفقة القرن» التي لم ترَ النور بعد.
في البداية، قررت إدارة ترمب شطب قضية القدس من جدول المفاوضات، فأعلنتها عاصمة لإسرائيل، وقامت بنقل سفارتها إليها.
الخطوة التالية هي إلغاء وكالة الغوث كشاهد عالمي على قضية اللجوء الفلسطيني. من الناحية القانونية لم يكن بمقدور الإدارة الأميركية استصدار قرار أممي بإلغاء الوكالة التي نشأت أساساً بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. الأغلبية الساحقة من دول العالم كانت ستصوت ضد خطوة كهذه.
لهذا لجأت إلى تبني سياسة خنق «الأونروا» مالياً. مطلع العام الحالي، امتنعت واشنطن عن تسديد حصتها من موازنة الوكالة، وبعد ضغوط عربية ودولية، حولت أقل من نصف القسط السنوي البالغ 125 مليون دولار، وتكفلت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات بدفع مبلغ 100 مليون دولار لدعم خدمات اللاجئين الفلسطينيين، فيما قدمت ثماني دول غربية وجهات مانحة من بينها الاتحاد الأوروبي 38 مليون دولار فقط.
قبل أسابيع قليلة، استبقت واشنطن موعد الدفعة الجديدة بقرار من البيت الأبيض يقضي بحجز 200 مليون من المساعدات للمؤسسات الإغاثية في الضفة الغربية وغزة بما فيها وكالة الغوث. وأعلنت وزارة الخارجية القرار رسمياً يوم الجمعة الماضي.
كان عجز «الأونروا» قبل القرار الأميركي الأخير قد ناهز 220 مليون دولار، فيما الحاجة ملحة لتأمين 120 مليون دولار لتمويل قطاع التعليم في مناطق الوكالة الخمس.
ومن المرجح حسب مجلة «فورين بوليسي» أن تؤدي التخفيضات إلى إيقاف برامج رئيسية للوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
وما لم تود الإدارة الأميركية قوله علناً، كشفته رسائل داخلية بالبريد الإلكتروني في البيت الأبيض نشرتها قبل شهرين مجلة «فورين أفيرز»، أظهرت أن مستشار الرئيس وصهره جاريد كوشنير ومسؤولين آخرين في البيت الأبيض كانوا يبحثون بكل الوسائل المتاحة لتفكيك «الأونروا» بدعوى أنها فاسدة وغير ذات كفاءة، ولا تخدم السلام.
الأردن الذي يحتضن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، ويتلقى نحو 120 ألف طالب فلسطيني الدراسة في مدارس الوكالة بالمملكة، وجد نفسه أمام تحدي تحمل عبء ميزانية الوكالة في الأردن، فوق ما يعاني من أعباء اللجوء السوري، وما فاض عليه من تداعيات الحرب في سوريا والأزمة في العراق من مشكلات اقتصادية ضخمة.
من المفترض أن جهداً عربياً مشتركاً سينطلق هذا الأسبوع تحت مظلة الجامعة العربية، لتوحيد المواقف والجهود لضمان دعم وكالة الغوث، ومدها بالدعم المالي اللازم لتمويل خدماتها في مختلف مناطق العمليات.
يتعين على الدولة العربية مواجهة تحدي «الأونروا» بشكل مستدام، فمن الواضح أن واشنطن مصممة على خطتها لقتل الوكالة تدريجياً، ومن غير المرجح أبداً أن تتكفل الدول الغربية بتغطية حصة واشنطن من موازنة الوكالة لزمن طويل.
على المدى القصير، قد تجدي «الفزعة» الأوروبية بتوفير مخصصات هذا العام، لكن ثمة حاجة للتفكير في تأمين مصادر دائمة، تعوض المساهمة الأميركية الكبيرة.
موت وكالة الغوث ليس مجرد خسارة لخدمات إنسانية هي حق مشروع للاجئين، بل ضربة قاصمة لقضية الشعب الفلسطيني التي هي في الأساس قضية شعب شرد من أرضه قسراً.
نهضت وكالة الغوث على مبدأ مساعدة اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم لديارهم. المعادلة انقلبت في هذا الزمان، إذ يبدو أن لا عودة ولا مساعدات.