د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

المديرون التنفيذيون وقصر النظر

في اجتماعهم مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الجمعة الماضي، دعا مجموعة من المديرين التنفيذيين الأميركيين إلى تغيير نظام التقارير المحاسبية من ربع سنوية إلى نصف سنوية، لإعطاء الشركات الحق في الإعلان عن أرباحها ومبيعاتها مرتين في السنة، بدلاً من أربع مرات في السنة، وهو النظام المتبع في الولايات المتحدة منذ عام 1943 حتى وقتنا الحالي.
ومن جانبه، فقد كلف الرئيس الأميركي هيئة الأوراق المالية الأميركية دراسة هذا المقترح، وتقديم دراسة مفصلة عن نتائجه. هذا المقترح ليس وليد اللحظة، فقد سبق للرئيس السابق باراك أوباما تأييد هذا المقترح في عام 2015، ولكن ما جعل هذا النقاش يعود للساحة من جديد، ما صرح به إيلون ماسك مالك ومؤسس شركة «تيسلا» من أن وجود الشركة في سوق الأسهم يؤثر عليها من ناحية الأداء، وأن تخصيصها يقلل من الضغوط عليها من السوق المالية، ويركِّز أداءها نحو المدى البعيد، بدلاً من المدى القصير المفروض عليها بسبب المراقبة المستمرة من المستثمرين في سوق الأسهم.
كثيراً ما يوصَف المديرون التنفيذيون بقصر النظر، وأنهم يهتمون بالنتائج المبكرة المستعجلة، بدلاً من النتائج الاستراتيجية الدائمة نسبيّاً. ولكن السؤال المطروح، هل يتصرف المديرون بهذه الطريقة برغبتهم؟ أم بدافع الضغوطات المفروضة عليهم من الملاك ومن سوق الأسهم؟ يُطالَب المديرون بالإفصاح عن أداء الشركة بشكل ربع سنوي في كثير دول العالم (بينما الكثير من الدول الأوروبية تكتفي بالتقارير نصف السنوية) ويحاسبون عليها بشكل دقيق. وفي الوقت نفسه يُطالَب هؤلاء المديرون بالعمل على خطط استراتيجية يزيدون بها قيمة الشركة على المدى الطويل. ومن هنا جاءت مطالبة هؤلاء المديرين بتغيير التقارير من ربع إلى نصف سنوية. ففي نظرهم أن التقارير ربع السنوية تبعدهم عن هدفهم الأساسي، وهو تطوير الشركة على المدى الطويل، بإشغالهم بتحقيق أرباح قصيرة المدى حتى تبقى التقارير مرضية للمستثمرين والمتابعين. كما أضافوا أن هذا التغيير سوف يزيد من فعالية الموظفين في مهام جديدة، بالعمل مرتين فقط على هذه التقارير بدل من أربع مرات في السنة، وهو ما يرونه توفيراً للمصروفات وفي مصلحة المستثمرين.
وفي المقابل، فإن هذه التقارير وضعت ربع سنوية لسبب صريح ومنطقي، وهو حماية حقوق المستثمرين بشكل شفاف من تصرفات المديرين. فالإعلان عن أداء الشركة أربع مرات في السنة يجعل المستثمرين على بينة مما يدور في استثماراتهم وأملاكهم، وهو حقّ مشروع لهم، ويقلل نسبة الخطر التي تنبع من عدم المعرفة بالمعلومات الدقيقة عن أداء الشركة.
وتشير الأبحاث إلى أن المستثمرين يحجمون عن الاستثمار في الشركة التي لا تفصح عن أدائها بشكل كافٍ. وإذا ما تم تخيير المستثمرين بين شركتين، إحداهما تفصح عن أدائها أكثر من الأخرى، فإن خيارهم سيكون للشركة الأكثر شفافية، أي أن هذه الشفافية تزيد من القيمة السوقية للشركة. كما أن تكلفة الاستدانة من المؤسسات المالية (مثل معدل الفائدة) تزيد في حال كانت الشركات أقل إفصاحاً عن أدائها، بسبب زيادة معدل الخطر فيها. أي أن الشركة تقلل من تكاليفها إذا أعلنت بشكل ربع سنوي وزادت من شفافية الإفصاح عن أدائها.
ومن هنا، فإن تقديم الدراسة على مقترح الرئيس الأميركي يضع هيئة الأوراق الأميركية في امتحان حقيقي، فالاقتصاد يقوم على الاستثمارات طويلة المدى، وقصر نظر المديرين التنفيذيين وحرصهم على الأرباح قصيرة المدى يعد أحد أكبر أسباب إحجامهم عن الاستثمارات النافعة للاقتصاد مثل الاستثمار في البحث والتطوير. إلا أن النظام المفروض على المديرين بالإفصاح عن أداء شركاتهم بشكل ربع سنوي يزيد من الضغوطات عليهم للعمل قصير المدى. وهو السبب الرئيسي الذي دفع إيلون ماسك للتصريح برغبته في خصخصة شركة «تيسلا»، فالشركة قائمة بشكل رئيسي على البحث والتطوير، وأحد الأسباب الرئيسية في تقييمها المرتفع هو أبحاثها المتقدمة سواء في صناعة سيارات المستقبل أو في صناعة البطاريات. وضغوط السوق المالية لا تتناسب مع طبيعة الشركة التي تصبو إلى نتائج ذات أمد بعيد تتناسب مع طبيعة الأبحاث التي تقوم بها، لذا يبدو منطقياً أن تتجه الشركة للتخصيص، ولكن هل ينطبق الأمر ذاته على بقية الشركات؟ وكيف يمكن حماية حقوق المستثمرين في حال أعطيت الشركات الحرية في موعد الإفصاح كما هو مقترح؟ أسئلة ينتظر الأميركيون إجاباتها من هيئة الأوراق الأميركية.