حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

بين عنصريتنا وعنصريتهم

التشدد والتعصب العرقي باتجاه الهوية والقومية بلغ معدلات ومستويات لم يسبق لها مثيل في منطقتنا (وإن كانت الظاهرة هذه ليست حصراً في منطقتنا). لم أتمالك نفسي من الابتسام متعجباً وأنا أتابع التعليقات «الغاضبة» و«الثائرة» و«المحتجة» على قانون «القومية» الجديد في إسرائيل، الذي ينص على الحق الحصري لليهود بأنهم العضو الأهم والرئيسي في إسرائيل. وطبعاً هي نظرة دونية للغير وعنصرية بامتياز لصالح اليهود.
لكن ما يجعلني أبتسم متعجباً وأنا أتابع هذه التعليقات على القرار الإسرائيلي، اتهامها بالعنصرية. الحقيقة المُرّة تؤكد أن العنصرية لدى البعض عندنا ليست بأقل سوءاً من مثيلتها الإسرائيلية. فهناك طبقية واضحة وممنهجة ضد «الآخرين» في بعض المجتمعات العربية الواحدة.. مجتمعات شغلت نفسها باختراع خطوط تماس وفصل عنصري باسم الأعراق والطوائف بدلاً من الاهتمام بتكريس فكرة المواطنة الكاملة، لتخرج ألفاظ معيبة ومخجلة بحق مواطنين كاملين، ولكنهم يبقون أسرى للتصنيف الظالم الذي يضعهم فوراً في صورة ذهنية دنيا تعوق طموحهم مقارنة بغيرهم.
الشعور بالظلم وعدم الانتماء «الكامل» معضلة تواجه معظم الأنظمة حول العالم، ولا حل أمام ذلك سوى تجريم كل «ملامح» التفرقة الواضحة والمبطنة الخفية.
لعل إحدى أهم قناعات إسرائيل بقانونها الجديد أنها تعلم جيداً أنها تعيش بجانب دول تحيط بها تمارس أشكالاً مختلفة من التعسف القومي بحق «مواطنين»، وبالتالي هؤلاء «المواطنون» ليسوا أصحاب الأهلية الكاملة، وعليه؛ فهم فعلياً وواقعياً مواطنون من الدرجة الثانية. جيوب التفرقة والتمييز والعنصرية مليئة في مناطق مختلفة بالعالم العربي، وهي مسألة لا تلقى القدر الكافي من حلول واقتراحات العلاج؛ بل على العكس تماماً؛ هناك حالة عريضة جداً من الإنكار التام لتلك المسألة الحساسة وطمس أي محاولة محترمة وجادة للنقاش فيها.
أتابع ما يحصل في العراق مثلاً من «تباين» واضح بين المواطنين؛ أكراداً وشيعة وسنة، وكذلك الأمر في لبنان وما يحصل لبعض الطوائف، أو في سوريا حيث باتت الدولة الحاضنة للجميع بمشروع مدني يشمل الكل مشروعاً طائفياً بامتياز. ونظرة لأوضاع الأمازيغ في بعض دول شمال أفريقيا تؤكد ما نقول أيضاً... والأمثلة كثيرة.
العالم العربي احتضن العصر الحديث بأدواته الجديدة من علوم وآلات وأفكار، ولكن يجب أن يأتي مع هذا كله تطور موازٍ في الفكرة المدنية العصرية للدولة الحديثة التي تقدس حق المواطنة السوية والكاملة دون أي نظرة فرعية أخرى تقيّم المواطنة على أساس ديني أو مذهبي أو طائفي أو مناطقي أو قبلي أو عشائري أو عرقي أو إثني، وهذا للآن لا يزال مطلباً منشوداً، لأنه من دون ذلك ستبقى الصورة مشوهة ولا نستطيع بقناعة أن ننتقد إسرائيل على قانونها العنصري الظالم.
العدل والحقوق السوية معايير تطور في الفكر الإنساني، ومتى ما تحققت في المجتمع، فسوف يكون ذلك أهم الإنجازات التي تستحق الاحتفال بها.