د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

سقوط الليرة التركية بتغريدة ترمبية

اتضح أن أسطورة الاقتصاد الإردوغاني، التي تغنى بها تنظيم الإخوان وأنصاره في تركيا وما جاورها، مجرد كذبة كبيرة، وأنه مجرد اقتصاد هش، سقط بمجرد تغريدة أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أعلن فيها مضاعفة الرسوم الجمركية على الألمنيوم والصلب المستورد من تركيا، عقب سجن أنقره القس الأميركي أندرو برانسون بتهمة «الإرهاب».
انهيار الليرة جعل إردوغان يصف ما حدث بـ«السعي إلى طعن تركيا في الظهر»، ولم تفلح دعواته لشراء الليرة بالعملات الصعبة، ودعوات مماثلة من قيادات إخوانية لضخ أموال تنظيم الإخوان والأخرى «الصديقة» لشراء الليرة التركية؛ فإنها جميعاً لن تجدي نفعاً، فأزمة انهيار الليرة - كما يؤكد خبراء الاقتصاد - بوادرها كانت قائمة حتى قبل الخلاف الأخير مع أميركا، كما يحاول إردوغان اختزالها، بل هي بسبب التضخم المرتفع ضمن رؤية إردوغان الاقتصادية التي ترى أن «معدلات فائدة منخفضة، يمكن أن تخفض نسبة التضخم»، في وجود حجم الديون الخارجية الضخم. والعبث السياسي في الملفات الاقتصادية يعتبر السبب الرئيسي في تدني قيمة الليرة التي فقدت أكثر من 40 في المائة من قيمتها مقابل الدولار، رغم خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي لليرة لمعالجة الانهيار الكبير لها. وبدأ هذا منذ أن وضع إردوغان يده على البنك المركزي، وأصبح هو الذي يعين حكام البنك المركزي. وبعد تعيين صهره وزيراً للمالية ومسؤولاً عن السياسة الاقتصادية، أصبحت سيطرته على البنك متكاملة الأركان، مما يؤكد أن اقتصاد البلد كان بمثابة فقاعة بدأت في الاضمحلال، بعد محاولات إردوغان التمرد على القطب الأميركي.
يحدث هذا في ظل ما تردد عن «إعلان رئيس البلاد رجب طيب إردوغان وضع يده على ودائع الأتراك»، الأمر الذي نفاه فخر الدين ألتون، رئيس مكتب الاتصالات في الرئاسة التركية، بالقول إن إردوغان «لم يطرح إطلاقاً في أي من تصريحاته مسألة وضع الدولة يدها على الودائع»، وفي ظل ما تردد إعلامياً عن أن أموالاً وودائع للدولة الليبية بالدولار تم وضع اليد عليها، وتحويلها إلى الليرة التركية، وفي ظل محاولات قطرية لإنقاذ الليرة التركية المنهارة، عبر اقتراح شراء المديونية التركية مقابل ضخ نصف الأموال بالدولار في بنوك تركيا، وإن كان حكام قطر الذين يخشون الغضب الأميركي قد تراجعوا عن المقترح التركي، الأمر الذي تسبب في صدمة في الشارع التركي قبل السياسي، خصوصاً أن المقترح جاء بعد تصريحات نقلتها صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية بأن الرئيس التركي، إردوغان، سيلجأ إلى قطر في خلافه مع الرئيس الأميركي، ففوجئ بالصمت والتسويف القطري، بل بتجاهل الأزمة كلياً، كعادة حكام قطر في التخلي عن الحلفاء عندما يصطدم الأمر بالموقف الأميركي الذي يخشاه نظام الحمدين، وواجهته تميم.
يبدو أن طموحات إردوغان في عودة العثمانية الثانية، بمساعدة تنظيم الإخوان، من خلال مشروع «الخلافة» المشترك بين طموحات إردوغان الطورانية ومطامع تنظيم الإخوان الدولية والسيطرة عبر الحدود، آيلة إلى الانهيار التام.
الاقتصاد التركي الذي استفاد كثيراً من المضاربة، ومن تهريب «داعش» للنفط السوري، وبيعه بسعر التراب لتجار أتراك، في ظل غض البصر الحكومي، وهذا أمر معروف، عبر الطريق الذي يسميه التنظيم المتطرف (داعش) الطريق العسكري، غرب مدينة جرابلس، وعبر منطقتي «تل أبيض» و«سلوك» الحدوديتين، وكذلك هجرة وتهجير الأموال من البلدان العربية في زمن «الربيع العربي»، ومنها ليبيا، عبر تنظيم الإخوان المسلمين، لدولة «الخلافة» من المنظور الإخواني، والإمبراطورية العثمانية من وجهة نظر إردوغان؛ لا بد لهذا الاقتصاد المبني على فقاعة صابون أن يضمحل ويتلاشى يوماً.
فأزمة الليرة التركية هي نتيجة سوء إدارة الاقتصاد، وتبعات لسياسات خاطئة، ولن يفلح في حلها القفز عليها بالهروب إلى الأمام. وليس بمقاطعة «آيفون» الأميركي، واستبدال «سامسونغ» به، كما دعا إردوغان، تحل أزمة الاقتصاد التركي الذي هزته تغريدة واحدة على «تويتر».