طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

لم يكن الأغزر أو الأقوى أو الأغلى!

دائماً ما نلجأ إلى «أفعل التفضيل» عند الحديث عن فنان أو شخصية عامة، ونشير إلى أنه مثلاً الأغلى أجراً أو الأكثر موهبة أو الأغزر إنتاجاً، وهكذا تتعدد الصفات التي يأتي بعدها الاسم، ليقرأ الناس بعدها بترقب ونهم ما الذي قدمته بالضبط تلك الشخصية.
هذه المرة سوف أحدّثكم عن فنان ليست به أي واحدة من تلك الصفات التي تضعه في المركز الأول. لو تحدثت عن الأغلى أجراً في تاريخ السينما والدراما العربية سيصعد على الفور اسم عادل إمام، ولو قلت الأغزر في الرصيد الفني ستكتشف أنه محمود ياسين، ولو نحّيت كل ذلك جانباً، واكتفيت بمقياس الموهبة، ستجده يقول عن نفسه لو كنت أنا أستحق كممثل (7 من 10) فإن من يحصل على (10 من 10) في هذه الحالة أحمد زكي.
قائل هذه العبارة نور الشريف، لم يكن الأول، ورغم ذلك بحضوره واختياراته وآرائه الفنية يحظى بمكانة (العنوان) لكل جيله الذين بدأوا المشوار في منتصف الستينات.
مرت قبل ساعات الذكرى الثالثة لنور فلماذا استحق تلك المكانة؟ أتوقف أمام الصراحة مع النفس، الرجل يعترف أن النجاح الذي حققه في بدايات المشوار، كاد يُطير عقله وارتكب بعض نزوات الشباب، إلا أنه تماسك في لحظة فارقة بعد عامين أو ثلاثة من التخبط.
يتعامل نور مع الحياة الفنية بعقل بارد وقلب ساخن، كثيراً ما نقرأ مثلاً عن حالة من الصراع الساخن بين النجوم والنجمات على من يسبق أو تسبق الأخرى على (الأفيش)، بينما نور يُطبق قاعدة الأجر، ويبدأ بنفسه ويقول «في الماضي كنت أنا أسبق عادل إمام على (الأفيش) لأني أجري كان الأكبر، ولكن منذ منتصف الثمانينات، وهو الأعلى مني»، ولهذا عندما التقيا في (عمارة يعقوبيان) قال لهم «عادل يسبقني»، وهو ما كرره مع محمود عبد العزيز في (البي بي دول).
نور يُمسك بـ(كراس) صغير لا يفارقه، عندما يقابل أحداً ولو عابراً في الطريق، تستوقفه منه كلمة أو لزمة أو حركة يدوّنها، وعندما يُعرض عليه دور يفتح (الكراس)، ويبدأ في البحث عن التماثل مع أيٍّ من الشخصيات، وقد يأخذ من أكثر من شخصية، وهذا هو ما فعله تحديداً في الفيلم الشهير (العار) وهو يتقمص دور تاجر المخدرات بتلك اللزمة في الأداء اللفظي أو تحريك الرقبة، حتى في اختيارات نور للأفلام يمتلك (ترمومتراً) دقيقاً لينتقل بمهارة بين الفيلم التجاري والفيلم الفني.
يعلم أن شركات الإنتاج لن يعنيها في كثير أو قليل أن فيلمه (البحث عن سيد مرزوق) نال العديد من الجوائز بينما خذلته الإيرادات، وعلى هذا تجده بعد أشهر قلائل يقدم فيلماً تجارياً في قالب (الأكشن) لا يراهن على شيء سوى الإيرادات، لكي يظل على خريطة شركات الإنتاج كنجم شباك.
لا يتردد نور في أن يُنتج من ماله الخاص لكي يقدم مخرجاً لأول مرة ما دام آمن بموهبته، وهكذا تجد على خريطته مخرجين راهن على تفردهم في أول أعمالهم، مثل سمير سيف، وعاطف الطيب، ومحمد خان، وكما قدم دراما عن شخصيات مصرية، تجد أيضاً على خريطته فيلم عن رسام الكاريكاتير الفلسطيني (ناجي العلي).
نور يُجيد فك (شفرة) الوجود الإعلامي، يعرف متى يبتعد ومتى يطل على الجمهور فلا يصل أبداً إلى مرحلة التشبع.
نعم ليس هو الأول في الغزارة ولا الأجر ولا الموهبة؛ إلا أنه كان (العنوان)!