روبرت برغيس
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

الأسهم العالمية تواجه الحقيقة المزعجة

سمح الأداء القوي في يوليو (تموز) لمؤشر «مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال» الشامل للأسهم، بإنهاء الشهر بأرصدة إيجابية للمرة الأولى منذ يناير (كانون الثاني)، حيث حققت 1.7 نقطة مئوية. ومع خروج الأسهم الأميركية من السوق، رغم كل شيء، لا يزال المؤشر القياسي يعكس خسارة بمقدار 3.39 نقطة مئوية في عام 2018. وهنا تكمن المشكلة الكبيرة.
وبعيداً عن الأرباح القوية في الولايات المتحدة وبعض الأماكن الأخرى المحدودة، ليس هناك ما يثير الاهتمام في سوق الأسهم العالمية. ومن بين مؤشرات الأسهم العالمية الـ95 التي تتابعها شبكة «بلومبيرغ» الإخبارية، هناك 33 مؤشراً إيجابياً فقط منذ بداية العام وحتى الآن. وفي مثل هذا الوقت من العام الماضي، كان هناك 81 مؤشراً تحقق الأرباح. وقال الخبير الاستراتيجي في شركة «ريتشاردسون جي إم بي» في مذكرة بحثية نشرت يوم الأربعاء، «إن هذا النوع من القيادة المقيدة لا يدوم في المعتاد. ولذلك؛ إما أن تقوم الأسواق الأخرى بالتصعيد أو سوف نواجه جميعاً المتاعب». ووفقاً لأحدث البيانات الاقتصادية الواردة، فمن المرجح أن تتصاعد الاضطرابات من الأسواق خارج الولايات المتحدة. وأظهرت التقارير الصادرة يوم الأربعاء أن نشاط المصانع في الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ قد تباطأ خلال الشهر الماضي، وأصدرت الشركات التحذيرات بشأن تأثير المعارك المتبادلة على الرسوم الجمركية الخاصة بالاستيراد، وفقاً لما ذكرته كارولين لوك وشوبانا شاندرا من وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية. وتشير البيانات إلى أن التهديدات الحمائية بدأت تؤثر على النمو الاقتصادي العالمي.
وقال ستيفان شنايدر، كبير خبراء الاقتصاد الدولي في «دويتشه بنك»، لوكالة «بلومبيرغ» الإخبارية، «من الواضح أن التوقعات الضعيفة للتجارة العالمية باتت تغذي الإنتاج، ولا سيما في الكثير من الاقتصادات المفتوحة، مثل الاقتصاد الألماني، مع اليابان وكوريا الجنوبية أيضاً. وتلقي التوقعات الضعيفة للصادرات بثقلها على النشاط الاستثماري». حتى في الولايات المتحدة، حيث كان النمو سريعاً، إلا أن هناك بعض الإشارات المثيرة للقلق، على الرغم من أن معهد «إيه دي بي» للأبحاث قال الأربعاء، إن قوائم الرواتب الخاصة قد ارتفعت بمقدار 219 ألفاً الشهر الماضي، ارتفاعاً من 181 ألفاً المسجلة في مايو (أيار)، وأبطأت الشركات العالمية الكبرى بالفعل من محركات التوظيف لديها. والشركات التي لديها أكثر من 1000 موظف أضافت 24 ألف وظيفة فقط، هبوطا من 46 ألف وظيفة في الشهر الماضي، وهي أقل نسبة مسجلة منذ مايو لعام 2017.
ويمكن ملاحظة المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي بوضوح في أسواق المعادن الأساسية، مثل النحاس، والألمنيوم، والنيكل، والزنك. وهذه المواد الخام هي الركائز الأساسية للاقتصاد، ومن شأن انخفاض الأسعار فيها أن يؤدي إلى انخفاض الطلب من المستخدمين النهائيين. وهبط مؤشر «بلومبيرغ» للمعادن الصناعية بنسبة 2.62 نقطة مئوية يوم الأربعاء، وهو أكبر هبوط يسجله المؤشر منذ أبريل (نيسان) الماضي، ونتيجة لما وصفه بعض الخبراء الاستراتيجيين كانت التعليقات الملتهبة حول الأزمة التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وذكرت وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية، أن إدارة الرئيس ترمب تنظر فيما أكثر من مضاعفة الرسوم الجمركية المقررة على 200 مليار دولار من الواردات الصينية، مما يزيد الضغوط المفروضة على بكين لأجل العودة إلى طاولة المفاوضات. وجاء رد الصين محذراً الولايات المتحدة من الابتزاز ومواصلة الضغوط بسبب التجارة. وقال إدوارد ماير، المحلل لدى شركة «إف سي ستون» الدولية، «ما دمنا سمحنا للرسوم الجمركية بالتوسع، فهي تملك المقدرة الحقيقية على إلحاق الضرر بالنمو الاقتصادي العالمي». ولدى معهد بحوث الدورة الاقتصادية مؤشر يتابع السلع الصناعية غير المتداولة. ولقد هبط هذا المؤشر إلى أدنى مستوياته منذ أبريل لعام 2016، في إشارة تنذر بسوء الأوضاع على الصعيد الاقتصادي العالمي.
إن سوق السندات اليابانية يخرج عن السيطرة، ويمكن أن تكون هناك تداعيات عالمية لذلك. والتحركات في مسار العقود الآجلة لسندات السنوات العشر الحكومية كانت شديدة التطرف يوم الأربعاء؛ إذ سجلت هبوطاً بنحو 0.5 نقطة مئوية، وهي النسبة الأكبر خلال عامين كاملين، حيث تسببت بطلب تغطية طارئة من غرفة المقاصة، وفقاً إلى وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية. وحدث كل ذلك بسبب أن البنك المركزي الياباني أعلن هذا الأسبوع عن السماح بارتفاع العائد على السندات ذات العشر سنوات إلى 0.2 في المائة بعد رفع السقف لما لا يزيد على 0.1 نقطة مئوية من قبل. ويشعر المستثمرون بالقلق من أنها أولى خطوات البنك المركزي الياباني لإخراج نفسه من الأسواق. وليس هناك بنك مركزي ضالع للغاية في تعقيدات الأسواق بأكثر من البنك المركزي الياباني، فهو يملك الكثير من السندات الحكومية حتى يصل الأمر إلى انعدام وجودها في بعض الأيام للتداول. والقلق السائد هو أن العائدات المحلية في طريقها للارتفاع حتى مستوى يغري المستثمرين اليابانيين بإعادة تريليونات الدولارات التي نقلوها إلى الخارج. وهذا من شأنه أن يسفر عن ارتفاع في عوائد السندات طويلة الأجل في الولايات المتحدة وأوروبا لتتسق مع المبيعات اليابانية. ومن المفهوم أن انخفاض أسعار الفائدة على المدى الطويل ساعد في تعزيز ثاني أطول سوق تصاعدية في الأسهم الأميركية، بالإضافة إلى ارتفاع مجمل في الأصول ذات المخاطر العالية على مستوى العالم. ولذلك؛ إذا بدأت المعدلات طويلة الأجل في الارتفاع، فمن الممكن أن تتعثر الأصول ذات المخاطر العالية بدرجة كبيرة.
تعرضت الليرة التركية لأضرار شديدة خلال العام الحالي؛ إذ هبطت بنسبة 23 في المائة مقابل الدولار الأميركي حتى يوم الثلاثاء عندما قام الرئيس رجب طيب إردوغان بتشديد قبضته الحاكمة على السلطة في البلاد، وعيّن صهره – زوج ابنته – على رأس اقتصاد البلاد، مع فشل البنك المركزي التركي في رفع أسعار الفائدة. ونمت خسائر العملة التركية بواقع نقطة مئوية أخرى يوم الأربعاء حيث انخفضت الليرة إلى مستوى قياسي أمام الدولار بعد أن أقرت بفرض العقوبات على اثنين من المسؤولين الكبار في الحكومة التركية بشأن قضية احتجاز القس الأميركي في تركيا. ويبلغ الاقتصاد التركي نحو 851 مليار دولار، بالإضافة إلى الديون الخارجية الكبيرة، فإنه قد بلغ حجماً يدعو فعلاً إلى القلق. ويمكن أن تكشف الأيام المقبلة عن مدى الضرر الذي لحق بالنظام المالي السائد في البلاد بسبب انخفاض قيمة الليرة التركية مع نشر الصحف التركية نتائج الفصل الثاني من العام الحالي.
ومن المتوقع انخفاض الأرباح بنسبة 5 نقاط مئوية في المتوسط مقارنة بالأشهر الثلاثة الماضية؛ وذلك وفقاً للبيانات التي جمعتها شبكة «بلومبيرغ» الإخبارية؛ استناداً إلى متوسط التقديرات لستة من أكبر المقرضين المتداولين علناً. ومن بين الاهتمامات الخاصة ما سوف تكشف عن البنوك بشأن مقدرة المقترضين على سداد الديون الخارجية، والتي صارت أكثر تكلفة مع تراجع قيمة الليرة. وقال كل من آسلي كانديمير وقسطنطين كوركولاس من شبكة «بلومبيرغ»، «بالنظر إلى متطلبات التمويل الخارجية في تركيا، قد تكون المصداقية السياسية مهمة للغاية في تفادي التحركات غير المنتظمة في أسعار الأصول في حالة تدهور البيئة الخارجية».

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»