محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

البقرة المدللة والإنسان المنبوذ!

قرأت تقريراً لافتاً عن تلك البقرة الهندية التي أُهدِيت إلى مُزارع برازيلي في الستينات، والتي سرعان ما تحولت سلالتها الشهيرة «جير» إلى هجين فأصبحت الآن المسؤولة عن نحو 80 في المائة من إنتاج الحليب في البرازيل.
والطريف أن تلك السلالة، التي تشتهر بها «غوجرات» الهندية، قد بدأت في التناقص في الهند، فصارت البلاد تحرص على استيراد نطفة الأبقار من أقاصي الأرض، جمهورية البرازيل.
قصة البقرة «كريشنا»، التي نشرتها «بي بي سي»، ذكّرتني بأنه إذا كان يمكن للدواب المستوردة أن تُحدث ثورة في بلدٍ ما، فكيف بنا إنْ نجحنا في استقطاب أمهر عقول البشر، ليطوروا بلداننا وشبابنا العربي لا أن يحتكروا مناصبهم إلى الأبد. والأهم أن نرعى نوابغنا خير رعاية؟! المتأمل في كثير من قصص التألق في العالم الغربي يجد خلفها مهاجراً أو مقيماً بعقد عمل وجد بيئة خصبة فتدفقت إبداعاته بعيداً عن أمراض العنصرية والفئوية البغيضة. فهل كنا سنجد هاتفاً بروعة الآيفون لو لم يشقّ ستيف جوبز ذو الأصول السورية طريق التحدي والإتقان؟ وهل كنا سنستلذ بتلك البيتزا لو لم يطلق شرارة قطاعها في العالم ذلك الأميركي من أصول إيطالية، وغيرها؟
البلدان الغربية بدأت تلتفت إلى أهمية رعاية الموهوبين، وكذلك بعض بلداننا العربية التي شرعت في بناء مدارسهم، غير أن الأمر مرتبط بالاستفادة من مخرجاتها، وإلا سيكون مصير الطلبة كمصير آلاف المبتعثين العرب الذين ينتهي بهم المطاف إلى إدارات مغمورة بعيدة عن تخصصاتهم التي كدّوا فيها في أثناء تحصيلهم العلمي.
والأمر مرتبط أيضاً بخيرات البلاد العربية الأخرى لا العقول الفذّة والحيوانات النادرة فحسب. فذلك هو الصمغ العربي الذي لولاه لما تمكنّا من الاستمتاع بمذاق الكولا المتماسك نسيجه، وتلك هي التمور التي لا تكاد تخلو منها أكبر متاجر العالم بعد حمّى الاهتمام بمعادنها وفوائدها الجمّة.
المفارقة أن كثيراً من تلك التمور كان موطنها العراق قبل أن تنتقل إلى قلب نجد وواحات الأحساء الغنّاء، فأحدثت ثورة بمعنى الكلمة تضاهي جودة تمر أشقائنا العراقيين، وصُدّرت فسائل النخيل أيضاً إلى كاليفورنيا ومنها كثمرات إلى كل أرجاء المعمورة على أنها «أميركية»، ويبقى تمر الجزيرة العربية، حسب رأيي، هو الأفضل على الإطلاق. ولو أننا استفدنا من تصديره كسكريات مخفضة السعرات، و«دبس»، وكعك وحلويات فاخرة بكميات هائلة إلى كل أنحاء العالم لصارت قصة ملهمة بحق لسائر المنتجات الوطنية، فضلاً عن العقول العربية التي تتطلع إلى الاستفادة من قدراتها.
المثل البحريني يقول إن «عين عذاري» (نبع الماء الشهير) فيها نوع من الجفاء، فهي تسقي البعيد وتتجاهل القريب. وإذا كان هذا هو مسلك البلدان العربية فعلى عقولها وخيراتها السلام. وسيبقى الإنسان المبدع فيها منبوذاً لأن مانشيتات الصحف حُجزت «للمتردية والنطيحة». وربما يأتي يوم نضطر فيه إلى استيراد جماعي للعقول العربية والخيرات كما فعلت الهند مع «كريشنا البرازيلية»!