بانكاج ميشرا
TT

هل بمقدور عمران خان خلق باكستان جديدة؟

منذ أربع سنوات مضت، تحديداً يوم انتخاب ناريندرا مودي رئيساً للوزراء، كتبت أن الهند تدخل أخطر حقبها منذ الاستقلال. وبنيت رأيي هذا على مخاوف موضوعية راودت أي شخص لاحظ تشبث مودي الشديد بفكرة تميز الهندوس بمرتبة أعلى والحالة الهشة للاقتصاد الهندي. اليوم، في ظل إخفاق مودي في خلق وظائف أو القضاء على الفساد، لجأت حكومته إلى تأجيج أعمال العنف ضد الأقليات. وفي الوقت الذي يتهيأ فيه عمران خان ليصبح رئيس وزراء باكستان الجديد، يبدو من المنطقي أن يخالج المرء الخوف من أن تزحف جنوب آسيا نحو أكثر حقبها توتراً منذ عام 1947.
ورغم أنه على خلاف الحال مع مودي، لا يملك خان سجلاً ملوثاً في الحكم. كما أنه لم يسبق له تمجيد آيديولوجيا اليمين المتطرف منذ طفولته. وقد اقتحم غمار السياسة في الـ40 من عمره بعد مسيرة مهنية في المجال الرياضي والأعمال الخيرية. وعلى خلاف الحال مع مودي أيضاً، عرف خان بأنه شاب يعيش حياة غربية الطراز.
وتدفع هذه التجارب الواسعة التي يتميز بها خان، ما بين انتمائه إلى الطبقة فوق المتوسطة في لاهور وحياة الثراء التي عاشها في لندن وورعه الديني بجانب سعيه الدائم للاستمتاع بالحياة، المرء لأن يحسن الظن في خان، ويميل للاعتقاد بأنه يتميز بمرونة آيديولوجية، بدلاً من التعصب أو التشدد. في الواقع، حديث خان المتكرر عن التزامه بالعدالة الاجتماعية يثير الإعجاب داخل مجتمع عادة ما يجري بداخله تدنيس هذه القيمة. ومع هذا، فإنه أثناء انتظاره الوصول إلى السلطة، أظهر للبعض ميولاً مثيرة للريبة.
في الواقع، فإن السمات الشخصية تحمل أهمية كبرى في عالم السياسة، مثلما تجلى في حالة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وفترة رئاسته المزلزلة كقائد لأقوى دولة في العالم. في حالة خان، الذي يمثل هو الآخر شخصاً قادماً من خارج المشهد السياسي، فإن هذه السمات تعتبر مؤشراً محورياً على أسلوب اضطلاعه بمهام منصبه.
وقد بدا واضحاً منذ أمد بعيد أن خان يحمل بداخله قدراً من الغرور والإعجاب بالذات لا يقل عما يبديه ترمب تجاه نفسه، وقد ساعده في ذلك نجاحه في مجال الرياضة وعلاقاته الاجتماعية. وقد اقتحم مجال السياسة في تسعينات القرن الماضي، مبدياً شعوراً بالأحقية على غرار ما هو سائد في أوساط العائلات السياسية التي ينتقدها، ويبدو أن سلسلة من الانتكاسات التي تعرض لها لم تسفر إلا عن تعزيز يقينه بأن تولي مقاليد السلطة السياسية في باكستان حقه الطبيعي.
ويبدو خان على قناعة بأنه الوكيل المرسل من السماء لإحداث تحول داخل باكستان. وشن خلال السنوات الأخيرة هجمات غاضبة ضد المؤسسات الديمقراطية الهشة في البلاد. وأضفى على المشهد السياسي الباكستاني الذي عانى عقوداً من الانقلابات وعمليات الاغتيال، لغة شديدة العداء. وبالنسبة لشخص يدعي لنفسه الثورية ويؤكد عزمه تحطيم ظاهرة توارث المناصب السياسية في باكستان، بدا خان متلهفاً على نحو واضح لإبرام صفقات مع النظام القديم - بما في ذلك سياسيون غير مهمين وأصوليون متشددون وجواسيس مريبون وضباط جيش يعانون جنون العظمة.
ورغم ادعائه المستمر بأنه «ليبرالي بالمعنى الحقيقي»، دافع خان بحماس عن قانون مكافحة ازدراء الدين الذي مررته باكستان. كما أنه لم يبذل مجهوداً يذكر لكبح جماح أنصاره ومنعهم من شن هجمات شرسة ضد منتقديه، خاصة النساء والليبراليين المتأثرين بالنموذج الغربي وذلك عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ويوحي الحماس الشديد الذي تعكسه هذه الهجمات السيبرية بأن خان، مثل مودي، نجح في نقل حلمه الذي يداعبه منذ فترة طويلة بالمجد والسلطة إلى الكثير من أتباعه. وجدير بالذكر أن باكستان تتميز بواحد من أصغر شعوب العالم من حيث الهرم السكاني، مع انتماء 64 في المائة من سكانها للفئة العمرية الأقل من 30 عاماً. ومثلما الحال مع نظرائهم داخل الهند والذين صدقوا ادعاء مودي بأن عرض صدره يبلغ 56 بوصة، يميل الشباب الباكستاني إلى الشعور بتقارب مع سياسي يشع حيوية ونشاطاً، وليس رقياً فكرياً أو براعة سياسية.
بيد أن ثمة فجوة مأساوية قائمة بين الأوهام التي تروج لها وسائل التواصل الاجتماعي حول تمكين الفرد والواقع الأليم داخل البلاد - والتي يرزح اقتصادها اليوم تحت وطأة ديون شديدة وأصبح معتمداً على قروض صينية مراوغة.
وفي ثنايا الخطاب الذي ألقاه احتفالاً بفوزه الانتخابي، أعاد خان التأكيد على أنه اقتحم المجال السياسي منذ عقدين بهدف استغلال الإمكانات المهدرة ببلاده. وتحدث خان إلى خصومه بود، ولا يسع المرء سوى أن يأمل في أن يعمل خان بجد معهم خلال هذه الفترة الحرجة لخلق ما سماه «نايا باكستان»، أي باكستان جديدة.
ومع هذا، فإن الكثير من كلماته وأفعاله أشارت إلى أن «نايا باكستان» ستحمل في حقيقة الأمر تشابهاً أكبر بـ«بورانا باكستان»، أي باكستان القديمة. علاوة على ذلك، فإن الكثير من التحديات التي تواجهها بلاده شديدة الصعوبة.
أيضاً في أوساط أنصاره، ثمة آمال عريضة وتوقعات كبيرة، لكن قدراته السياسية تبقى محدودة للغاية وسلطته الأخلاقية شحيحة على نحو يجعل الإخفاق أكثر احتمالاً عن النجاح في هذه اللحظة.
ومثلما تكشف المناورات التي يخوضها مودي في الهند، فإن الإخفاقات والانتكاسات ربما تخلق رغبة عارمة داخل خان لتعزيز سلطته السياسية بأي طريقة حتى لو كانت عبر تأجيج المخاوف وزرع الكراهية تجاه منتقديه والمنشقين عنه.
لقد بدأ خان حقبته الجديدة على نحو جيد وبصورة نبيلة ورفيعة، لكن ثمة قلقاً يبقى من أن مصير الهند وباكستان، أو ما يعادل خمس البشرية، أصبح اليوم في أيدي رجلين يطلقان وعوداً ضخمة لأنصارهما، وقد يدفعهما الفشل نحو منحدر التهور.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»