د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

السوق المالية بين الخوف والطمع

ما إن يحدث أي تغيير في الأسواق المالية حتى ينبري لها المحللون والمختصون بالتبريرات التي أدت إلى هذه التغييرات، وهذه التبريرات دائماً ما تكون حاضرة سواء كان التغيير في السوق إيجابياً أو سلبياً، ولو سئل أحد المحللين عن إمكانية الحدث قبل حصوله بيوم، فإن إجابته على الأرجح ستكون نفياً لهذا الحدث. تكرر هذه الأحداث يقلل من أهمية آراء المحللين الاقتصاديين والماليين عند غير المتخصصين، ولكن هذه التغيرات، والمحاولات المستمرة لتفسيرها وفهم أسباب حصولها هي حجر الأساس للعلوم الاقتصادية والمالية. والتناقضات في الأحداث والتغييرات الحاصلة في الأسواق جزء أساسي من هذه العلوم، ومن الأسواق نفسها. ذلك أن سلوك الأسواق المالية يقوم على مزيج من نظريات متناقضة ولعل أهم هذه النظريات نظريتا الأسواق الفعالة والأسواق غير العقلانية، وهما نظيرتان متناقضتان تماماً.
تقوم نظرية الأسواق الفعالة على مبدأ يقول إن جميع المشاركين في السوق يمتلكون نفس القدر من المعلومات، وبذلك فإن جميع المستثمرين يمتلكون فرصاً متساوية في الربح والخسارة في جميع الشركات. بينما تقوم نظرية الأسواق غير العقلانية على عكس ذلك، فالمتحمسون لها يؤمنون أن المستثمرين لا يمتلكون نفس المعلومات عن الشركات، وبسبب ذلك هم لا يتصرفون بنفس الطريقة، فعلى سبيل المثال، قد يدرك مستثمر أن هبوط سعر السهم لشركة ما هو هبوط مؤقت، يتبعه ارتفاع في السهم، وهو على هذه القناعة بسبب علمه أن الشركة سوف توقع عقداً استثمارياً في الأيام المقبلة، بينما قد يتملك الذعر مستثمراً آخر في حال هذا الهبوط، مما يجعله يبيع هذا السهم خوفاً من خسارة إضافية. وتقر نظرية الأسواق غير العقلانية أن غالبية من في السوق يتصرفون بشكل غير عقلاني، وذلك بسبب عوامل نفسية كثيرة، لعل أبرزها هما عاملا الخوف والطمع.
وقد لا يكون هذان العاملان مؤثرين في السوق المالية إذا ظهرا من عدد قليل من المستثمرين، ولكن التصرف بشكل جماعي بدافع الخوف أو الطمع يجعل منهما المحرك الرئيسي للسوق، والسبب في ذلك بسيط، ويتمثل في نظرية العرض والطلب، فلو تصرف الجميع بدافع الخوف لعرضوا أسهمهم للبيع بشكل جماعي، وهو ما سيسبب هبوطا حادا في سعر السهم، ولو تصرفوا بدافع الطمع لحصل العكس. ولهذه الحالات مثال حي، وهو ما حصل مع شركة «فيسبوك» قبل أيام قليلة، فبعد الفضائح المتكررة للشركة، ونتائجها الأخيرة التي لم تصل إلى المأمول، خاف الكثير من المستثمرين من أن هذه هي بداية النهاية للشركة، تراكم هذا الخوف منذ أشهر، وتحديدا منذ فضيحة «كامبردج أنالاتيك» والتي بسببها مَثُل مالك الشركة أمام الكونغرس، وانتهى بإعلان نتائج الشركة، وهبطت بعدها أسهم الشركة في يوم واحد 19 في المائة، وهو أضخم هبوط لشركة من ناحية القيمة المادية في يوم واحد. وبينما يبدو هذا الهبوط منطقياً بالنظر إلى العوامل المحيطة، هبطت أسهم شركة «تويتر» بذات النسبة في اليوم التالي، على الرغم من أن «تويتر» اتخذت إجراءات نالت استحسان الكثير من المستثمرين والمستخدمين بأن بدأت في إلغاء الحسابات الوهمية، فإن هذا الإلغاء سبب انخفاضا حادا في أعداد المستخدمين، وهو ما يبدو منطقيا، وهذا الانخفاض في أعداد المستخدمين، وحالة الذعر التي سببها انخفاض سهم «فيسبوك» أدى ذلك إلى الأداء غير المتوقع من سهم شركة «تويتر».
ولعل أروع ما قيل في سلوك الأسواق المالية، ما قاله الأميركي «وارن بافيت» وهو ثالث أغنى رجل في العالم، حيث قال مقولته المشهورة: «اشتر في السوق حين يخاف الآخرون، واخرج منه حين يطمعون»، أي أن وقت الشراء حين يخاف الناس من الدخول في السوق، ووقت البيع حينما يقبل الناس عليه، والواقع أن هذه المقولة (التي تحتاج للكثير من الشجاعة لتطبيقها) تنطبق إلى حد كبير على الأسواق المالية، فحين يدخل الجميع إلى السوق، تصل إلى ذروتها، وحينها لا يدخل إليها أي أموال إضافية وبذلك لا يمكن للأسعار أن ترتفع، فيكون الهبوط هو الاتجاه الوحيد الممكن، وما إن تهبط الأسهم قليلا حتى يتكفل ذعر المستثمرين من غير ذوي الخبرة في هبوط السوق بشكل حاد. ومهما حاول الرياضيون تطبيق النماذج الرياضية وبرامج الذكاء الصناعي في توقع سلوك الأسواق المالية، لا بد من تدخل البشر في هذه التوقعات، حيث لا يمكن لهذه البرمجيات التكهن بالعوامل النفسية البشرية المحيطة بالسوق، والتي قد تكون في كثير من الأحيان العامل الرئيسي في صعود السوق أو هبوطها.