حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

أوروبا: حوار عنصري!

لا تزال أصداء بطولة كأس العالم التي انتهت أحداثها أخيراً في روسيا مستمرة، وخصوصاً في القارة الأوروبية. ولكن هذه الأصداء لها آثارها على صعيد العالم ولا شك، كما يتضح. فالحديث لا يزال مستمراً عن حجم مساهمة المهاجرين في فوز الفريق الفرنسي ببطولة كأس العالم، وأن الفريق يعكس واقعاً جديداً لفرنسا، منه وبوضوح بصمة وحضور «الأفارقة» و«المسلمين» الذين ساهموا في صناعة البسمة على وجوه الفرنسيين، وتحقيق أحد أهم الإنجازات في تاريخ فرنسا.
وفتح هذا الإنجاز الحديث عن أي صورة لفرنسا يريدها أهلها، وظهرت الأصوات العنصرية المريضة البغيضة التي تنادي بـ«نقاوة» العرق، وضرورة الحفاظ عليه، وغير ذلك من الهرطقات المشابهة، بينما هناك من يرى أن الفريق يعكس حالة البشرية نفسها، والتنوع الطبيعي الموجود فيها. بينما في ألمانيا (الفريق الذي فاز بالبطولة السابقة)، هناك حالة مختلفة، فها هو نجم الفريق مسعود أوزيل، الذي تعود أصوله إلى تركيا، يعلن اعتزاله اللعب الدولي بسبب «الهجوم العنصري» عليه، وذلك بحسب إفادته، وأضاف: «إنني ألماني حينما نفوز، وأنا مهاجر حينما نهزم».
صادفت هذه الأحاديث وجودي بالقارة الأوروبية في مهمة عمل، وكان ممن التقيتهم رجل أعمال نمساوي وآخر إيطالي. ودار الحديث بينهما وأنا أستمع: بدأ الإيطالي يردد في حديثه: نحن أهل المتوسط والسواحل لا نعرف التطرف والعنصرية، هذه أتت من أهل وسط أوروبا؛ هي التي جاءت إلينا بالنازية، نحن أهل المتوسط قدمنا فلاسفة اليونان، كسقراط وأرسطو وأفلاطون، والديمقراطية والمسرح والأدب وعصور النهضة ودافنشي ومايكل أنجلو ودانتي، ليرد عليه النمساوي: مهلاً يا صديقي، نحن الذين أتينا بهيغل وماركس وكانط ونيتشه وبتهوفن وموزارت وباخ وفاغنر وفرويد وجونغ. استمعت لصراع «مناطقي» أوروبي، كل يتغنى بمزاياه وفضائله بشكل كريه، حاولت التدخل لتهدئة الوضع، ولأشير إلى المشتركات الأقوى بينهم في القيم والأهداف والمعاني، لأفاجأ برد عاصف من الرجل النمساوي، الذي تبين لي لاحقاً أنه درس عن العالم العربي والإسلام، يقول لي: أرجو عدم التدخل، أنتم آخر من يحدثوننا عن التسامح، فالعنصرية والطبقية مستشرية فيكم، وأنتم أكثر شعوب العالم عنصرية، تقسمون الناس على أديانهم وأعراقهم ومناطقهم وغير ذلك.
حاولت جاهداً الدفاع، ولكنه كان حاضراً بأمثلة فعلية تستشهد بتوظيف التراث لإحياء العنصرية والتطرف الاجتماعي، وقد وجه لي ضربة قاضية حينما ختم كلامه معي بقوله: رسولكم قال لكم: دعوها، فإنها منتنة. فلماذا أبقيتم عليها؟ العنصرية مرض مكتسب، أنت بحاجة لجهد عظيم لكي تحافظ على عنصريتك، فالفطرة أن تتعارف مع الآخرين، ولكن الأنا الغليظة قد تكون أهم أسباب خلق الحواجز الطبقية والعقائد الاجتماعية المضللة، المولدة للكراهية والتمييز والتشدد. مهما تزينت بالعبارات الرقيقة، ورددت الأمثال الجميلة والشعارات الثقافية، تبقى كل هذه الأمور أشبه بمساحيق تجميل لتغطية وجه قبيح ومقزز.
الحوار المفتوح الآن في أوروبا، عن مساهمة المهاجرين في شكل القارة الجديد، حوار إنساني في المقام الأول، ولا يخص أوروبا وحدها، ولكن أهميته أن أوروبا هي مهد حضارة الغرب، وأن يدور فيها حوار عميق يمس الحقوق والأنظمة والقوانين، من المؤكد أن صداه سيطال مناطق أخرى خارج أوروبا، وهذا في حد ذاته مفيد جداً، لأن العنصرية سرطان مدمر للسلم الاجتماعي. الحرب العالمية الثانية بدأت نتاج فكرة شيطانية عنصرية شريرة، اسمها النازية، حتى لا ننسى.