شانون أونيل
كاتبة من خدمة «بلومبيرغ»
TT

في ظل الحرب التجارية... ما مصير التبادل التجاري بين الأميركتين؟

استضافت الأرجنتين المحاصرة مالياً، خلال عطلة نهاية الأسبوع، وزراء مالية مجموعة العشرين لوضع جدول أعمال اجتماع زعماء وقادة المجموعة، المقرر انعقاده في العاصمة بوينس آيرس، في ديسمبر (كانون الأول) من العام الحالي.
وفي حين ركزت الاجتماعات بشكل رسمي على قضايا البنية التحتية ومستقبل العمل، طغت التهديدات الجمركية العدائية الصادرة عن الإدارة الأميركية، ضد الدول الحليفة ومنظمة التجارة العالمية، على هذه المناقشات ذات السمة الفنية والتقنية.
ويأتي هجوم الولايات المتحدة على النظام التجاري العالمي في الوقت الذي تتبنى فيه دول أميركا اللاتينية منظومة التجارة الحرة. وفي عودة لقادة الدول المؤيدة للأسواق الحرة، يسعى الساسة من تيار اليمين واليسار إلى توسيع رقعة المشاركة الدولية لبلدانهم على المسرح التجاري العالمي، من خلال سلسلة من اتفاقيات التجارة الحرة والاستثمار.
وفي الأوقات العادية، ربما كانوا قد يمموا شطر الولايات المتحدة، باعتبارها المستثمر الكبير والشريك التجاري بين الدول كافة. ومع ذلك، يشير تعنت الإدارة الأميركية الحالية خلال مفاوضات اتفاقية نافتا إلى احتمال إبرام قليل من الصفقات مع دول شمال القارة. ونتيجة لذلك، هناك تحول واضح وكبير قيد العمل والتطوير.
وأصبح الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري المفضل لدى بلدان أميركا اللاتينية، وعززت المكسيك من إمكانية إعادة التفاوض بشأن اتفاقية عام 2000 في أبريل (نيسان) الماضي، من خلال فتح قطاعات السلع الزراعية والخدمات الرقمية، وتسهيل لوائح الجمارك والمواءمة التجارية بهدف تيسير البيع عبر الحدود.
وتدفع «كتلة ميركوسور»، وهي الكتلة التجارية التي أسستها كل من البرازيل والأرجنتين والأوروغواي والباراغواي، إلى استكمال اتفاقية الاتحاد الأوروبي، التي نالها كثير من التهميش لما يقرب من 20 عاماً.
وينقل أنصار التجارة الحرة من أميركا اللاتينية قضيتهم إلى آسيا كذلك، حيث كانت المكسيك وبيرو وتشيلي من الشركاء المؤسسين للشراكة عبر المحيط الهادئ، والتي تُعرف الآن باسم الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ في أعقاب الانسحاب الأميركي منها، وتطالب بعض الدول المجاورة، بما في ذلك كولومبيا، بالانضمام إلى تلك الاتفاقية باسمها الجديد.
وتتطلع «كتلة ميركوسور» إلى إجراء المفاوضات مع كوريا الجنوبية، في أعقاب المسار الذي بدأته كل من كوستاريكا والسلفادور وهندوراس ونيكاراغوا وبنما، ووقّعت جميعها على اتفاقيات ثنائية خلال العام الحالي مع سيول. وبدأت بنما في إجراء المفاوضات مع الصين، في حين تنظر كولومبيا و«كتلة ميركوسور» بجدية في تلك الفكرة. كما بدأت الكتلة التجارية في أميركا الجنوبية المباحثات مع كندا وتواصلت مع نيوزيلندا وأستراليا بشأن قياس مدى الاهتمام بتعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين.
وتتجه الاقتصادات الرئيسية في قارة أميركا الجنوبية أيضاً نحو تحقيق حلم بعيد المنال من التكامل الاقتصادي الإقليمي، والذي تتخلف فيه كل منطقة باستثناء أفريقيا. وخلال الأسبوع الحالي، سوف يجتمع قادة تحالف المحيط الهادئ، وهو اتفاق شامل للتجارة الحرة يضم كلاً من المكسيك وكولومبيا وبيرو وتشيلي، مع نظرائهم من «كتلة ميركوسور» في بويرتو فالارتا، بشأن مناقشة التعاون فيما بينهم وآفاق الاندماج المحتمل. ومن شأن الاتفاقية المحتملة أن تجمع 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة بأسرها، ما سيخلق سوقاً بقيمة تقديرية تبلغ 4.3 تريليون دولار.
وبالرغم من أن هذا الاتفاق التفضيلي ليس كمثل الجائزة الكبرى للتجارة مع الاتحاد الأوروبي أو الصين، فإنه قد تزداد أهميته بالنسبة إلى ازدهار مستقبل أميركا اللاتينية. وتميل التجارة والاستثمار داخل الإقليم نحو قطاعات التكنولوجيا المتوسطة إلى الفائقة – بما في ذلك الكيماويات، والسيارات، والأدوية – والصناعات ذات القيمة المضافة العالية والتي تعمل على التكنولوجيا، وتعزز الإنتاجية، وتخلق الوظائف.
وإذا ما أرادت بلدان أميركا اللاتينية الازدهار من سلاسل التوريد العالمية، فيجب عليها تنمية الإنتاج الإقليمي إلى الدرجة التي يمكنها عندها المنافسة مع الشركات المتكاملة في نفس المجال في آسيا وأوروبا وأميركا الشمالية.
وبطبيعة الحال، يمكن للحماس المتقد الحالي بشأن التجارة الحرة في أميركا اللاتينية أن يتلاشى بمرور الوقت. وبعد أن يستضيف رئيس الأرجنتين ماوريسيو ماكري قمة مجموعة العشرين في نهاية العام الحالي، سوف تنتقل عباءة المجموعة واجتماعها المقبل إلى اليابان. ولا تتسق تعليقات الرئيس المكسيكي المنتخب أندريه مانويل لوبيز المؤيد لاتفاقية نافتا مع دعواته الحمائية المتزايدة حيال الاكتفاء الذاتي من الغذاء والطاقة.
وفي البرازيل، فإن الرئيس المقبل، الذي سوف يتولى منصبه الجديد اعتباراً من يناير (كانون الثاني) للعام الجديد، يمكنه إعادة التأكيد على الحماس التجاري الجديد في البلاد أو يتجاهل الأمر تماماً.
وفي هذا السياق، فإن النتائج الملموسة للاتفاقيات التي اقتربت من حد الاكتمال سوف تكون بالغة الأهمية، وإن كان هناك انحسار أو تدفق في المشاعر؛ فلقد اتسعت آفاق التجارة الحرة في أميركا اللاتينية أخيراً. وفي حين أن الطبيعة الجغرافية لا تزال تعد جزءاً كبيراً من مصيرها، فإن قارة أميركا اللاتينية تتحرك الآن على مسارها الصحيح من دون الاعتماد على الولايات المتحدة.
وفي أعقاب قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة، أعلن وزير الخارجية الألماني أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه الاعتماد بشكل كامل على البيت الأبيض، وفيما يتعلق بملف التجارة، فإن هذا من الدروس الواضحة التي تعلمتها قارة أميركا اللاتينية بالفعل.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»