علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

ونعم الاختيار

عنوان هذا المقال مستوحى من إعلان للوكيل السعودي لدجاج «دو» الفرنسي، حيث يختم إعلانه بـ«دجاج دو ونعم التربية»، وكان المجتمع بين مؤيدٍ وناقدٍ لهذا الإعلان، ولكن ذكاء الوكيل وقدرة الإعلام على البرمجة الذهنية للمجتمع فرضاه على أفراد المجتمع حتى أصبحوا يقولونه فيما بينهم وأنا أيضاً تأثرت واخترت عنوان مقالي شبيهاً بالإعلان.
أقول ونعم الاختيار لقرار «أرامكو» شراء جزء من أسهم «سابك»، ولن أتطرق إلى طريقة الشراء لأنها معلَنة، ولكني سأتطرق إلى الأسباب التي جعلتني مؤيداً لشراء الأسهم، وذلك للأسباب الآتية، فرغم أن شركة «أرامكو» كبيرة حجماً فإنها فشلت في مجال البتروكيماويات، وخير مثال على ذلك فشل تجربتها في شركة «بترورابغ»، وقد ابتدأ هذا الفشل منذ اليوم الأول، إذ قدّرت علاوة الإصدار بـ34 ريالاً، أي ما يقارب 9 دولارات. ثانياً أعلنت شركة «أرامكو» منذ أكثر من عشر سنوات نيتها تأسيس شركة صدارة للبتروكيماويات وطرح أسهمها، ولكنها والحمد لله لم تفعل.
ورغم أن شركة «أرامكو» شركة عملاقة في مجال النفط فإنها وللأسف ليست رائدة، فإسرائيل وتركيا رغم أنهما دولتان غير نفطيتين فإن شركاتهما قد سبقت «أرامكو» في تقنيات النفط، ولعل مشاركة «أرامكو» لـ«سابك» عبر شراء الأسهم سيجعلها تسند قطاع البتروكيماويات لـ«سابك» وتتفرغ لتلحق بتعويض ما فاتها من تطوير التنقيب عن النفط وتقنيات استخراجه. وأنا حينما أقول ذلك لا يعني أن شركة «أرامكو» شركة فاشلة، بل بالعكس فهي قوية وتعمل في مجال النفط منذ 60 عاماً ولديها القدرة المالية لتطوير مراكز الأبحاث لديها، وهذه الشركة العملاقة ينطبق عليها قول الشاعر:
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً
كنقص القادرين على التَّمامِ
وهذا ما أنشده لـ«أرامكو»، وكنت قد كتبت في مقال سابق في هذه الصحيفة مقالاً بعنوان «الأعدقاء»، وتطرقت فيه إلى العلاقة بين «سابك» و«أرامكو»، وأن علاقتهما ليست أخوية ولا عدوانية ولكنهما بين هذا وذاك فهم أعدقاء، وذكرتُ في ذات المقال أن «أرامكو» تزوّد الشركات بالطاقة، ودخولها في مجال التصنيع سواء البتروكيميائي أو غيره سيجعل المنافسة غير شريفة، إذ إنها بالتأكيد ستزوّد شركاتها بالطاقة التي تحتاج إليها فإذا أصبح لديها فائض فإنها ستبيعه للشركات الأخرى، وشراء أسهم «سابك» من قبل «أرامكو» لا ينفي هذا التحيز، فقد تتحيز «أرامكو» لـ«سابك» بصفتها مالكاً وعلى الجهات المختصة مراقبة ذلك لتحقيق العدالة في توزيع الطاقة لا سيما الغاز.
نقول ونعم الاختيار لهذا القرار لأنه سيجعل «أرامكو» تتفرغ للنفط، و«سابك» للبتروكيماويات، ولعل ذلك يتيح لهما أن تحتلان المرتبة الأولى عالمياً، كلٌّ في مجاله، كما أن ذلك يتفق مع النظام الأساسي لـ«سابك» الذي ينص على أن تحتفظ الدولة بـ25% من أسهم «سابك».
هذه تجربة من سوق الأسهم السعودية التي تعد متطورة نسبياً مقارنةً بغيرها من أسواق المنطقة، فلعل الأسواق العربية تستفيد بهذه التجربة السعودية إذا مرت بحالات مماثلة.