كل ما يقال عن دونالد ترمب يغدو بلا قيمة حين نشرع في إحصاء نتائج معاركه السياسية والاقتصادية. رئيس الولايات المتحدة المثير للجدل، لم يخسر مواجهة خاضها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
خصومه يقاومون أسلوبه وسياساته في البداية، لكنهم يرضخون في النهاية. ترمب لا يهتم برأيهم فيه، المهم أنهم يستجيبون عن طيب خاطر.
خاض معركة طويلة مع القضاء الأميركي حول سياسة الهجرة؛ خسر جولات كثيرة في المحاكم، لكنه فاز في المعركة القضائية الأخيرة، وفرض سياسة منع السفر للولايات المتحدة على كثير من الجنسيات. ومع الجارة المكسيك، صار بناء الجدار أمراً واقعاً، دون أن يحول ذلك دون تشارك البلدين في ملف ثلاثي مع كندا لتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2026.
ضاعف موازنة الدفاع رغم صرخات الديمقراطيين، وحطم سياسة «أوباما كير» دون أن يرف له جفن. على كل الجبهات الداخلية كسب ترمب معاركه، حتى في قصة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، عجز أنصار هيلاري كلينتون عن توفير دليل يدينه في العلاقة مع الروس.
تعلم مبكراً أن قوة أميركا كفيلة بتركيع الخصوم، فلم يتردد في تطبيق رؤيته لعلاقات واشنطن الخارجية بكل حذافيرها. بدأ بالأصدقاء قبل الأعداء. افترس الاتحاد الأوروبي على دفعتين؛ فرض رسوماً جمركية على صادراتهم الأساسية لأميركا، وجعل من قمة العشرين صفراً مكعباً.
هدد بالخروج من حلف «الناتو» فاجتمع القادة قبل أسبوع واستجابوا لطلبات ترمب بزيادة مساهمتهم في موازنة الحلف. لم يترك لهم مجالاً للاختيار أو المساومة.
كان بالنسبة للقادة الأوروبيين ضيفاً ثقيل الظل غليظ اللسان، لكنهم مجبرون على احترامه
والقبول بمطالبه. الاتحاد الأوروبي الهش لم يعد يساوي شيئاً بدون الحليف الأميركي.
قبل أن يحط ضيفاً على لندن، أرسل تحذيراته لتيريزا ماي؛ «اتفاق الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، لن يمر». المرجح أن رئيسة الوزراء البريطانية التي تواجه ضغوطا سياسية غير مسبوقة في مجلس العموم وأزمة داخلية في حزبها لن تصمد أمام تحذيرات ترمب.
قبل جولته الأوروبية وقمته الموعودة مع «الصديق أو العدو» فلاديمير بوتين، كان ترمب قد صفّى حسابه مع الصين؛ فرض على صادراتها للسوق الأميركية مزيداً من الرسوم الجمركية دون أن يعبأ بتهديدات بكين ونداءات الاستغاثة.
لم يكترث أبداً بخطر اندلاع حرب تجارية عالمية. مضى في سياسته حتى النهاية، وهو على قناعة بأن أميركا ستربح الحرب مهما كلف الثمن.
توسل الأوروبيون إلى ترمب طويلاً كي يتراجع عن قراره بشأن الاتفاق النووي مع إيران، لكنه تجاهلهم تماماً، وأعلن انسحاب بلاده من الاتفاق. حاول قادة الدول الغربية إنقاذ مصالحهم مع طهران، لكنهم أخفقوا في إقناع شركاتهم العملاقة التي استجابت لرغبة ترمب وأعلنت عن تصفية استثماراتها في إيران والمغادرة سريعاً.
المؤتمرات والقمم الأوروبية لم تستطع أن تنقذ إيران من العقوبات الاقتصادية المشددة التي فرضتها واشنطن. تجارة طهران من النفط في طريقها للانهيار، وما هي إلا بضعة أسابيع حتى تعود إيران إلى كامل عزلتها.
الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون الذي ظل لسنوات يتوعد أميركا بالويل والثبور، تحول إلى خاتم في أصبع ترمب. طار إلى سنغافورة لمقابلته وفق شروطه، وكان مسلسل التنازلات التي قدمها الديكتاتور مذهلاً للعالم. في الرسالة الأخيرة التي نشر ترمب نصها في وسائل الإعلام، خاطب الرئيس الكوري نظيره الأميركي بلقب «سيدي الرئيس». من كان يتخيل ذلك قبل حقبة ترمب؟!
قد يقول قائل إن ترمب خسر معركته مع بوتين في سوريا. دعونا نتأن قليلاً في إصدار الحكم. ترمب لم يكن معنياً منذ البداية بمصير سوريا، كان يعلم أنها منطقة نفوذ لروسيا واحترم هذا الوضع. كل ما يعنيه في سوريا مصلحة إسرائيل وتحجيم النفوذ الإيراني، وقد حقق الهدف الأول بأن أعطى لإسرائيل، بموافقة موسكو، الحق الكامل في ضرب القواعد الإيرانية في سوريا متى شاءت، وإبعاد ميليشياتها المسلحة عن حدودها. ولن يتراجع ترمب في سوريا قبل أن يضمن نهاية لنفوذ إيران في العمق السوري طال الأمد أم قصر.
وقبل إيران كان هدف ترمب في سوريا تحطيم تنظيم داعش الإرهابي، وكان له ذلك بعد أشهر من تردد إدارة باراك أوباما في خوض حرب جدية ضد الجماعات الإرهابية.
لم يكن متردداً في دعمه لإسرائيل، كان واضحاً جلياً منذ البداية. في حملته الانتخابية ومثل سائر الرؤساء الأميركيين وعد بنقل سفارة بلاده للقدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، لكنه على خلاف سابقيه، أوفى بوعده. أغضب العرب، هذا صحيح، لكن أحداً منهم لم يفكر في الاستغناء عن دور واشنطن في عملية السلام.
انسحب من «اليونيسكو»، وأوقف دعم بلاده لوكالة غوث اللاجئين «الأونروا» جزئياً، ورغم الاحتجاجات، اضطرت دول غربية لتعويض المساعدة الأميركية.
لا يحظى ترمب بشعبية كبيرة في أميركا، فحسب استطلاعات الرأي تراوح ثقة الأميركيين عند أربعين في المائة، وفي العالم أقل من ذلك بكثير. ليس محبوباً أبداً في أوروبا أو الصين والشرق الأوسط، وثمة انقسام واضح بشأن سياساته في الجوار اللاتيني، لكن الرجل يفوز في كل معاركه نهاية المطاف، ويجبر الجميع على التكيف مع طلباته وأوامره. وهذه الإدارة التي راهن البعض على إخفاقها مبكراً، لا، بل عدم إكمال ولايتها الرئاسية، حققت لغاية الآن غاياتها في إعادة توجيه السياسات العالمية وفق مصالح واشنطن، وفرض أجندتها على القوى الدولية دون مقاومة تذكر.
ترمب يربح معاركه، أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا. الاختبار الأخير للمدرسة الترمبية سيكون صفقة القرن في الشرق الأوسط.
قياساً على نجاحاته سالفة الذكر يبدو القلق العربي والفلسطيني مشروعاً.
8:2 دقيقه
TT
ترمب يربح على الدوام
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة