خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

كرة القدم رسول السلام

حالما وطئت أقدام القوات البريطانية ميناء أم قصر سنة 2003، واستقر عساكرهم فيه، بادروا إلى تنظيم مباراة كرة القدم مع الفريق المحلي. وبدخولهم البصرة واصلوا هذه المباريات الودية. لقد أدركوا أنها من أحسن الوسائل في نيل مودة السكان المحليين.
ولكن أكثر الناس لم يتذكروا أن الإنجليز كانوا هم الذين أدخلوا كرة القدم للعراق. يروي المؤرخ عباس العزاوي أن العراقيين رأوها لأول مرة في معسكر الهنيدي بعد الحرب العظمى. لاحظوا فرق الجيش تتبارى فيما بينهم فافتتنوا بها وأخذوا يقلدونها. كانت هناك فرقتان، فرقة الهوسبتال (المستشفى) وفرقة الأج كيو (المقر العام).
انقسم الجمهور البغدادي إلى مجموعتين، مجموعة أنصار الهوسبتال ومجموعة الأج كيو. ودخل الطرفان في خصام، كثيراً ما أسفر عن مصادمات حادة بين العراقيين، مما أعطى صورة ظريفة للعراق: الإنجليز يلعبون والعراقيون يتعاركون. وبمرور الزمن تعلمنا اللعب منهم. وأخذ شبابنا يصنعون الكرة من الخرق والجرائد حتى تصدق الإنجليز عليهم فأعطوهم كرة حقيقية وعلموهم نفخها.
بمرور الزمن برز لاعبون جيدون شكلوا فرقاً بينهم واستنجدوا باللاعبين الإنجليز ليشتركوا معهم ويعلموهم، حتى أصبح عدد الإنجليز أكثر من العراقيين في الفريق الواحد. فأصدر الإنجليز قراراً بعدم السماح لأكثر من لاعب إنجليزي في الفريق الواحد. وكان ذلك ينطبق على نظام الانتداب. مستشار إنجليزي في كل وزارة ولاعب إنجليزي في كل فريق.
ولكن الجمهور لاحظ أن فريق الجيش العراقي فيه لاعبان إنجليزيان فثارت ثائرتهم وهتفوا بسقوط الجيش العراقي. وعبثاً حاول رئيس أركان الجيش العراقي أن يقنعهم بأن هذا اللاعب الثاني لم يكن بريطانياً قط، وإنما كان عراقياً صميماً مخلصاً للوطن والملك، كل ما في الأمر أنه كان أبيض البشرة أشقر الشعر، كالكثير من العراقيين الكرد. وذكروا حسبه ونسبه، فخري عمر. كانت أيام خير. ثم جاءوا به ليكلم الناس باللغة العربية البغدادية. زاد ذلك في شكوك العراقيين فقالوا هذا يمكن جاسوس! يتجسس على تقدم لعب العراقيين وسعيهم للوصول لكأس العالم! وكلما أبدع فخري عمر في تسجيل الأهداف ازدادت شكوكهم فيه. لكن زملاءه في الفريق عرفوا حقيقته وراحوا يلقبونه بفخري اللندني! وكانوا يكافئونه بإعطائه برتقالتين في فترة الاستراحة بدلاً من واحدة كالآخرين لمجرد شكله السكسوني.
لم يذكر المؤرخون ما إذا كانوا قد جاءوا بملاكمين أو مصارعين ليحموا فخري اللندني من الاعتداء عليه. ولكنهم ذكروا بأن كل حكم كان مسؤولاً عن حماية نفسه، وعليه أن يأتي معه بعدد من الأشقياء ليتولوا حراسته. والمعروف أن الكثيرين من وزراء وساسة المستقبل كانوا قد شاركوا في هذه الفرق، مما يفسر ميلهم للعنف والعدوان واللف والدوران. وأعتقد أن حكومة العبادي الحالية تفتقر لمن كان لهم باع في كرة القدم.
انتبه الجمهور لذلك فأخذوا يدعون لتأليف حكومة من أبطال كرة القدم بعد فوز العراق بكأس آسيا. إنهم دون شك أقل فساداً من غيرهم.