ستيفين ميهن
TT

أميركا: الهجرة وهوس العِرق

أفاد مكتب الإحصاء الشهر الماضي بأن السكان البيض في أغلب أنحاء الولايات المتحدة يتناقص بسرعة أكبر من معدلات الإحلال. وعلى النقيض، فإن معدلات الإنجاب تفوق معدلات الوفيات بين السكان من ذوي الأصول الإسبانية.
وجاءت الأرقام عام 2017 لتقدم المزيد من الأدلة على التغيير الديموغرافي الذي سيجعل من البيض أقلية بحلول عام 2040، وربما قبل ذلك. تتوافق البيانات مع خطاب دونالد ترمب المشتعل حول الهجرة، فحسب ملاحظات عدد من النقاد، فقد تمكن ترمب من بعث ما يعرف برهاب الأجانب وتنامي الخوف على مستقبل أميركا البيضاء.
سارت الولايات المتحدة في الطريق ذاتها منذ قرن مضى عندما هيمنت مجموعة من المفكرين على الخطاب العام فيما يخص مسألة الهجرة إلى الولايات المتحدة. فقد عبرت تلك الجماعة عن مخاوفها من تلاشي الجنس الأبيض، لكن بأسلوب أدىَّ إلى عواقب وخيمة ودائمة في السياسة العامة، وذلك بالدعوة إلى تحديد أعداد المهاجرين وسن قوانين تمنع تمازج الأجناس.
ولاحقاً بدأ عقد جديد من الهجرات الكبيرة التي غيَّرت من شكل البنية السكانية الأميركية. وبالنسبة للبيض المولودين في الولايات المتحدة، فإن التدفق المتزايد لليهود والسلافيين والإيطاليين وغيرهم من الجماعات كان على وشك تشكيل الولايات المتحدة التي عرفوها.
لكن بالنسبة لبعض البيض، كان هذا الوضع لا يمكن التسامح بشأنه. وأوضح عالم الاجتماع إدوارد إلسوارث روس تلك المخاوف في مقال نشر عام 1901، واستخدم عبارة «انتحار العرق» التي راجت لاحقاً في وصفه للمصير الذي ينتظر العرق «الأنغلو ساكسوني»، ويعني به أسلاف الجماعة التي هيمنت على إنجلترا منذ القرن الخامس حتى «الغزو النورماندي»، وإن تضمنت مخاوفه أيضاً الاسكندينافيين والألمان.
اعتقد روس أن هؤلاء الناس شكلوا جنساً مستقلاً أرقى بكثير من غيرهم من الأوروبيين، ولم يتعرض لغيرهم من الأجناس القادمين من بلاد أخرى. لكن روس تعرض للهجرات القادمة من غيرها من المناطق الأقل أهمية في كتاب نشر عام 1914 بعنوان «دماء يجرى حقنها الآن في عروق شعبنا». وكان لتلك الكلمات وقع أليم، حيث تسببت في تأخير أبناء الطبقة العاملة للزواج وإلى تقليصهم عدد الأبناء، بعد أن أدركوا أن الفرص المتاحة باتت تتجه إلى أبناء الأجانب. بالتالي توقف أبناء البلاد الأصليون المتعقلون، الذين قرروا احترام أنفسهم، عن الإنجاب والتزايد في ظل اشتعال الصراع الوجودي والخوف من المستقبل الغامض الذي ينتظر أبناءهم.
بالنسبة لروس ولغيره، كان الحل بسيطاً، وذلك بتقييد الهجرة. ولم يكن هو الوحيد الذي فكر في ذلك الحل. فقبل ذلك بسنوات قليلة، صوَّر خبير الاقتصاد فرانسيز والكر التهديد على أنه تهديد وجودي، ووصف المهاجرين الأوروبيين من كل حدب وصوب على أنهم «مجرمون ومعاتيه وعالة على المجتمع».
واقترح والكر فرض مبلغ 100 جنيه إسترليني على كل مهاجر يدخل الولايات المتحدة، وهو ما مثَّل عائقاً أمام الفقراء من جنوب أوروبا. وكان والكر يرى أن ذلك لن يقف عائقاً أمام عشرات الآلاف من الأثرياء القادمين من دول غنية مثل السويد والنرويج وألمانيا من أصحاب المدخرات.
وخلال العقد نفسه، جاء محب الفنون الثري ماديسون غرانت، العنصري الذي ألف كتاباً حقق مبيعات عالية تحت عنوان «تلاشي العرق العظيم»، الذي دفع الرأي العام إلى التفكير السابق نفسه. كان غرانت ميالاً إلى الأنغلو ساكسونيين، وكان مغرماً كذلك بالنرويجيين والاسكندينافيين وبالطبع البريطانيين، فيما كان يبغض اليهود والإيطاليين وغيرهم ممن كان يعتبرهم «أدنى مرتبة من غيرهم من المهاجرين. وفي عام 1920، نشر الصحافي لوثروب ستودارد كتاباً تحت عنوان «التهديد الذي يواجه تفوق العرق الأبيض» الذي طالب من خلاله بالحد من الهجرات للمحافظة على بقاء العرق النوردي (شمال أوروبا) في الولايات المتحدة.
بيد أن أفكار هؤلاء المفكرين ودعواتهم سقطت من الضمير الأميركي في ثلاثينات القرن الماضي، بعد أن نبذها الجميع. لكن الواقع اليوم يقول إن الحكم استناداً إلى جدال الهجرة السائد اليوم يقول إن نسخة القرن الواحد والعشرين من تلك الأفكار تبدو ظاهرة في الأفق.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»