د. محمد مبارك جمعة
كاتب بحرينيّ وعضو هيئة التدريس في جامعة البحرين. متخصص في الدراسات التطبيقية الإنجليزية، وباحث في الشؤون السياسية.
TT

تنظيم الإخوان يدق المسامير في نعشه

بات من الواضح أن دول مجلس التعاون الخليجي تنتهج الآن سياسة مغايرة تماما لتلك التي كانت قبل أحداث ما يسمى «الربيع العربي». وزير الاقتصاد الإماراتي، سلطان بن سعيد المنصوري، دعا أخيرا إلى خطة «مارشال» عربية، على غرار تلك التي جرى تنفيذها في أوروبا لإعادة إعمارها بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك من أجل إعادة تأهيل وإعمار وإنعاش الدول العربية التي تضررت من أحداث «الربيع العربي»، وأدى ذلك إلى تدهور اقتصادها وزيادة سوء الأوضاع فيها.
لقد كان لوصول تنظيم الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر بالغ الأثر السيئ على الاقتصاد المصري، وقد كان ذلك عاملا إضافيا يزيد من خشية دول مجلس التعاون الخليجي، التي طالما كانت حليفا استراتيجيا لمصر، وعمقا تاريخيا لها. لقد شهدت مصر تغييرا مأساويا في نظامها السياسي إبان حكم «الإخوان»، وزاد من صعوبة الوضع فيها التدهور الاقتصادي وتراجع الأحوال المعيشية. ولذلك فإن موقف دول مجلس التعاون الخليجي بدأ يتجه بعد سقوط تنظيم الإخوان، الذي أتى نتيجة طبيعية لما مرت به مصر خلال عام من حكم «التنظيم»، إلى المزيد من العناية والاهتمام بالدول العربية الحليفة، ومساعدتها على دعم اقتصادها وتعديل الأوضاع المعيشية فيها، بما يضمن إحداث استقرار سياسي أيضا. وقد برهن على هذا التوجه الدعم الخليجي لمصر عن طريق ضخ مليارات الدولارات إلى اقتصادها، وتشجيع الاستثمارات الضخمة فيها، والدعم الخليجي الموازي لكل من الأردن والمغرب.
وقد كانت المملكة العربية السعودية قد دعت في اجتماع القمة العربية التنموية الثالثة إلى زيادة نسبة رؤوس أموال المؤسسات المالية العربية والشركات العربية المشتركة القائمة بنسبة لا تقل عن 50 في المائة من قيمتها الحالية، كما أعلنت، استعداد المملكة لدفع حصتها من الزيادة التي يجري الاتفاق عليها في دعم تلك المؤسسات والشركات.
بمعنى آخر، لقد أدركت دول مجلس التعاون الخليجي أنه من المهم أن تضاعف من دعمها المالي والاقتصادي للدول العربية، وأن تهتم بإرساء الاستقرار الاقتصادي والسياسي في دول المنطقة، لما يشكله ذلك من عامل مساعد على زيادة قوة مجلس التعاون، بما يسمح له بممارسة نفوذ سياسي واقتصادي أكبر في مجابهة بعض التوجهات الغربية في دعم وتمويل جماعات «إسلامية» لنشر الفوضى في الدول العربية واستهداف مؤسسات الحكم.
قناة «العربية» الفضائية بثت مؤخرا برنامجا وثائقيا حول تنظيم الإخوان في دولة الإمارات العربية المتحدة، وورد من بين الشهادات التي أدلى بها أحد المنتمين إلى التنظيم أن أفراد التنظيم تلقوا تدريبات عسكرية، ومنها التدريب على استخدام قذائف «آر بي جي»، وهو ما يطرح سؤالا مهما عما كان يدور بخلد «التنظيم» من خطط مستقبلية حول الإمارات ودول مجلس التعاون بشكل عام.
إن انتهاج مجلس التعاون الخليجي سياسة ترتكز على الدعم الاقتصادي للدول العربية بما يساعدها على التغلب على المعوقات التي تعاني منها على مختلف المستويات، بالإضافة إلى زيادة وتكثيف التنسيق الأمني فيما بينها، تجسد أخيرا في إقرار جهاز الشرطة الخليجية الموحدة، من شأنه أن يضع نهاية لطموحات التنظيمات «الإسلامية» التي استخدمتها بعض الدول لضرب الأمن والاستقرار وإعمال الفوضى والتخلف في الدول العربية.
ومن الممكن أن نقول إن تنظيم الإخوان المسلمين، الذي قفز إلى بعض مؤسسات الحكم في بعض الدول العربية مستغلا خبرة ثمانين سنة من العمل التنظيمي، في ظل ما شهدته تلك الدول العربية من أوضاع، قد أسهم بشكل كبير في دق الكثير من المسامير في نعشه في مصر ومنطقة الخليج العربي، إذ لم يعد من الوارد أن تسلم هذه الدول رقبتها إلى تنظيم الإخوان بعدما انكشف ما انكشف من أجنداته المرتكزة على محاصرة دول الخليج، والتعاون مع إيران، وتسهيل دخولها إلى مصر تحت تسميات السياحة والاقتصاد، إدراكا من هذه الدول لمدى كارثية المشهد الذي قد ينجم عن عودة «التنظيم» إلى النفوذ مجددا.