حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

جنازة نزار قباني مستمرة في مطاردتي

نزار قباني شاعر شغل الناس حياً وميتاً، وكاتب هذا المقال ارتبط بوفاته ومراسم جنازته وما أثير حولها من جدل وأساطير وفبركات حتى بدا المشهد كله ذا حقائق قليلة وأكاذيب كثيرة، مع أن الصلاة على جنازته شهدها ما لا يقل عن 5000 مصل، وحضرها عدد من سفراء الدول العربية يتقدمهم أديب السفراء غازي القصيبي، رحم الله الجميع.
قبل عشر سنوات كتبت مقالاً في هذه الصحيفة عنونته «جنازة نزار قباني تطاردني»، بسبب ملاحقتي بأسئلة عن ملابسات الحدث المصاحب للصلاة، وذلك أن عدداً من القراء ما برح يظن أنني، إبان فترة إدارتي للمركز الإسلامي في لندن في التسعينات الميلادية، كنت مسؤولاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن حدث مفبرك قال زاعموه وأفاكوه ومروجوه وبعضهم، مع بالغ الأسف الشديد، وجوه إعلامية لندنية معروفة بأن شغباً وفوضى في المركز الإسلامي حدثا حين وصلت جنازة نزار إلى المسجد التابع للمركز، وأن اتفاقاً أو صلحاً او هدنة تمت بين مدير المركز وبين مثيري الشغب؛ من بنودها إبعاد جثمانه والصلاة على روحه، تخيلوا، وهذا كله مختلق جملة وتفصيلاً، فقد صلى المصلون على جنازته عدا عدد قليل جداً غادر بعد الفراغ من صلاة الجمعة وقبل الشروع في صلاة الجنازة، وقام أحدهم بإلقاء كلمة قصيرة جداً نهى فيها عن الصلاة عليه، فقاطعه إمام المركز بكل هدوء وعقلانية وقال بأن الصلاة على نزار اختيارية فمن لم يرغب أن يصلي ينصرف مشكوراً، وصلى الغالبية الساحقة من المصلين على جنازة نزار، وتقبل ذووه العزاء في ساحة المسجد المفتوحة ومعهم عدد من السفراء.
ولقد ظننتُ حين كتبت مقال «جنازة نزار قباني تطاردني» أن المطاردة انتهت، ولكنها ظلت مستمرة بعد عشر سنوات من المقال وعشرين سنة من وفاته، وتقود المطاردة هذه المرة إعلامية في إحدى الصحف اللبنانية، وقد جاءت تحت بند التحقق من الحدث وملابساته، فكتبت مشكورة تحقيقاً مثيراً أشارت فيه إلى فبركات جديدة مثيرة للضحك والضيق في آن واحد، وبدا أن الكذبة الكبرى التي افتراها الأفاكون أمست بعد دخول «السوشيال ميديا» مثل كرة الثلج المتدحرجة، تكبر بحجم مضاعف كلما واصلت دحرجتها، ولو كتب لكم ولي عمر بعد عقود سأكتب عن «جنازة نزار التي تصر على ملاحقتي».
وحتى أحد الشهود الذين استعانت بهم الزميلة جانبه الصواب حين ذكر أن غازي القصيبي تدخل وأثمر تدخله (بالتوصل إلى حلّ وسط، منعاً لتفاقم الامر، ويقضي بالصلاة على الجثمان عند باب المسجد داخل حرمه، بينما وقف الناس حوله امتداداً إلى باحة المسجد). وشهادة هذا الشاهد تزوير فاقع لما حدث، وكذب محض، فصلاة الجنارة، كما أشرت آنفاً، تمت بيسر عدا اعتراض أحد المصلين.