د. محمود محيي الدين
المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030. شغل وظيفة النائب الأول لرئيس البنك الدولي لأجندة التنمية لعام 2030، كان وزيراً للاستثمار في مصر، وشغل منصب المدير المنتدب للبنك الدولي. حاصل على الدكتوراه في اقتصادات التمويل من جامعة ووريك البريطانية وماجستير من جامعة يورك.
TT

مشاهدات على طريق التنمية المستدامة

تستعد 48 دولة، منها 7 دول عربية، للتقدم للأمم المتحدة في شهر يوليو (تموز) المقبل، بتقاريرها عن خططها الوطنية لتنفيذ برامج التنمية المستدامة حتى عام 2030. وقد تم إقرار الأهداف الجديدة للتنمية في قمة خاصة لقادة الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2015، بعد مناقشات مستفيضة بدأت عام 2012. وشملت الأهداف الجديدة للتنمية المستدامة 17 مجالاً، يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات هي: التنمية البشرية والاجتماعية، والنمو الاقتصادي الشامل، والأوضاع المتعلقة بالبيئة وتغيرات المناخ.
أما الدول العربية السبع المتقدمة بتقاريرها عن التنمية المستدامة، أو ما يُتعارف عليه في الأمم المتحدة بالاستعراضات الوطنية الطوعية، فهي: الإمارات، والبحرين، والسودان، وفلسطين، وقطر، ولبنان، ومصر، والسعودية.
وبمتابعة ما جرى من مناقشات على مدار العامين الماضيين ومنذ بدء تنفيذ برامج التنمية المستدامة في عام 2016، تقدمت خلالها 65 دولة متقدمة ونامية بمثل هذه التقارير «للمنتدى السياسي رفيع المستوى» بالأمم المتحدة، تجلّى بعض الملاحظات المهمة. نوردها أملاً في أن يسهم الحوار في هذه الاجتماعات وتبادل المعرفة، في إحداث نقلة نوعية في حياة الناس والتقدم في تفعيل برامج التنمية المستدامة وأهدافها، خصوصاً تحقيق هدف القضاء على الفقر المدقع على مستوى العالم بحلول عام 2030.
أولاً، تنسيق السياسات العامة من خلال مؤسسات منضبطة إما أن يكون عاملاً ميسراً لتحقيق أهدافها، وإما أن يكون عقبة مانعة للتنمية حال فقدانه. وقد شهد التاريخ المعاصر تدهور اقتصادات دول رغم وفرة مواردها الطبيعية والمالية وتميز موقعها، كما شهد تقدماً مبهراً لاقتصادات دول أخرى رغم شح مواردها وقلة ثرواتها الطبيعية. ومن هنا تأتي أهمية أن يوضح المسؤولون الذين سيعرضون تقارير التنمية المستدامة، الجهد التنسيقي لإعداد الرؤى الوطنية وتنفيذ برامجها وفق توقيتات محددة، ليس فقط على مستوى الحكومة المركزية ووزاراتها، لكن أيضاً لما يتم من تنسيق على المستوى المحلي وما جرى من حوار مع الاتحادات والكيانات الممثلة للقطاع الخاص والمجتمع المدني. وقد يكون من المناسب إشراكهم، مع ممثلي الحكومة من الوزراء، في تقديم التقارير الوطنية في اجتماعات الأمم المتحدة، في الشهر المقبل، سواء في الاجتماعات الفنية أو الوزارية لتأكيد الاتفاق على أولويات التنمية وسبل تنفيذها.
ثانياً، تعد البيانات الدالة على مدى التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة من المعضلات الكبرى التي تواجه الدول العربية، شأنها في ذلك شأن دول نامية، بل ومتقدمة أيضاً. فأهداف التنمية المستدامة تتطلب توفير بيانات كمية ونوعية لما يقرب من 230 مؤشراً من مؤشرات التنمية، بعضها لم يتم الاتفاق على منهجية حسابها بعد، وما تم الاتفاق عليه من حيث المنهجية لم تسعفه نظم جمع البيانات وإتاحتها وتحديثها بما يكفل الاطمئنان على سلامة المؤشر ودلالته ونفعه لصنع القرار ومتابعة تحقيق الأهداف. وفي هذا الشأن على المسؤولين إيضاح موقف قواعد البيانات وجودتها وما هو متاح للجهات المنوطة بالإحصاء من إمكانات بشرية وموارد مالية وإطار قانوني يُيسِّر عملها.
ثالثاً، حددت وثيقة أديس أبابا الصادرة في يوليو 2015 سبل تمويل التنمية، واستعرضت موارد التمويل العامة والخاصة والمحلية والخارجية، فضلاً عن إشارتها إلى دور التجارة الدولية، وإدارة الدين العام والاستفادة من تطور العلوم والتكنولوجيا والابتكار في تحقيق نقلات نوعية في التنمية وتحسين أحوال البشر. ومن المتوقع من مقدمي التقارير من السادة الوزراء والمسؤولين أن يقدموا منهجاً متكاملاً لتمويل التنمية وتنفيذ برامجها على المستوى الوطني، لا يتوقف عند المبادئ العامة بل يمتد إلى التفاصيل، خصوصاً في ما يتعلق بتعبئة الموارد المالية على مستوى الدولة وكفاءة إنفاقها على قطاعات ومشروعات التنمية. ورغم تقدم 65 دولة في العامين الماضيين بتقاريرها عن طموحاتها التنموية حتى عام 2030، فإن تحديد تأثير هذه الطموحات على موارد الدولة وإنفاقها وكيفية تمويلها من الموازنة العامة كان أمراً نادراً في ما تم تقديمه حتى اليوم، ومن المأمول أن تقدم العروض الجديدة إيضاحاً لدور المالية العامة في تحقيق التنمية المستدامة، وإلا صار الأمر سرداً لطموحات طوال وآمال عِراض دون أن يكون لها في الواقع من نصيب.
رابعاً، إدراك أن محلية التنمية هي السبيل لتحقيق الأهداف العالمية. فلا فائدة تُذكَر لعموم الناس من برامج كبرى للتنمية وطموحات تُصاغ للمستقبل القريب أو البعيد، دون أن يستشعروا تحسناً مطرداً في الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والنقل في محيط سكنهم، وأن مستويات معيشتهم وفرص عملهم أصبحت أفضل مما كانت عليه، وأن عدالة في فرص العيش والحياة قد ترسخت قواعدها، وأن البيئة قد تطهرت مما يلوثها، وأن المناخ قد اتُّخذت إجراءات لحمايته من تغيرات تهدد حياة الكائنات. هذه الأمور تناقَش حقاً على مستويات دولية ومنظمات أممية، لكن تطورها أو تدهورها مناطه متعلق بما يتحقق على المستوى المحلي. فهل مُكنت سلطات الإدارة المحلية من القيام بعملها؟ هل وُضعت لها الموازنات بمواردها المتنوعة؟ هل فُعلت نظم الإنفاق العام على المستوى المحلي بمتابعة دقيقة ورقابة حصيفة؟
خامساً، كشأن كل اجتماع سنوي لاستعراض هذه التقارير، تتبني الأمم المتحدة من خلال اتفاق الدول الأعضاء بعض الموضوعات تختصها بالتركيز في المناقشات. وفي اجتماعات الشهر المقبل سيكون هناك تناول تفصيلي لخمسة من أهداف التنمية المستدامة وهي: المياه، والطاقة، والمدن، والاستهلاك والإنتاج، والحياة البيئية في البرّ. وفي هذا الشأن يتوقع المشاركون من خبراء التنمية والاقتصاد والتمويل ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص أن تتناول الحكومات الممثلة في الاجتماعات تفاصيل السياسات العامة والفرص والسياسات المتعلقة بهذه المحاور الخمسة، وأدوار المؤسسات الوطنية المعنية بها، وسبل تفعيل برامج المشاركة التي يضمها الهدف السابع عشر والأخير من أهداف التنمية المستدامة والذي تتم مناقشته كل عام بحضور مؤسسات التمويل والتنمية العالمية.
ويجدر بالمسؤولين، ويُتوقع منهم، في هذه الاجتماعات أن يُحاطوا علماً بأنه على الرغم من اختلاف مشارب واهتمامات المشاركين، فإن اهتمامهم مشترك في التعرف على كيفية تحقيق الدول توافقاً حول متطلبات الحاضر والمستقبل في عالم شديد التغير، وكيفية تنفيذها برامج الاستثمار في مجالاته الثلاثة ذات الأولوية، بكفاءة: وأولها الاستثمار في البشر، نساءً ورجالاً، فقراء وأغنياء، سواء سكنوا الريف أو الحضر، بالتعليم المتطور وكسب المعارف والرعاية الصحية. وثانيها، الاستثمار في البنية الأساسية التقليدية، وبما لا تقل أهمية عنها اليوم بل تزيد هي التطورات في بنية المستقبل لاقتصاد رقمي يعتمد على تكنولوجيا المعلومات ومستحدثاتها. وثالثها، الاستثمار في التوقي من الصدمات والقدرة على التكيف مع المستجدات بخيرها، أو شرها سواء كانت من كوارث الطبيعة كتغيرات المناخ والأعاصير والجفاف والزلازل، أو ارتبطت بأوبئة وانتشار الأمراض المعدية أو كانت كوارث من صنع البشر، وهي أشد وبالاً وأعظم ضرراً.
- النائب الأول لرئيس البنك الدولي
- الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي البنك الدولي