د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

«تداول» في مؤشرات الأسواق الناشئة

بعد أن أعلنت مجموعة «فوتسي راسل» عن انضمام السوق السعودية «تداول» إلى مؤشرها للأسواق الناشئة قبل ثلاثة أشهر، أعلنت قبل أيام مجموعة «مورغان ستانلي» عن ضم «تداول» إلى مؤشرها، لتدرج بذلك السوق السعودية - الأكبر في المنطقة العربية - في أشهر مؤشرين للأسواق الناشئة. وبحلول الربع الثاني من العام القادم، تنضم السعودية إلى أسواق عالمية أخرى مثل الصين والهند وتركيا وجنوب أفريقيا والبرازيل. ويتوقع أن تدرج الشركات السعودية في مؤشر «مورغان ستانلي» على دفعتين في نهاية الربعين الثاني والثالث من عام 2019. وتشير التوقعات إلى أن هذا الإدراج سوف يضخ سيولة في السوق السعودية تتراوح بين 35 و50 مليار دولار، أي ما يقارب من 7 إلى 10 في المائة من حجم السوق السعودية البالغ 500 مليار دولار تقريبا.
وتشير غالبية الدراسات إلى أن إدراج الأسواق في المؤشرات - سواء كانت مؤشرات أسواق ناشئة أو غيرها - يؤثر على الأسواق بشكل إيجابي، كما أنه يزيد من تكامل السوق مع الأسواق العالمية. وعلى المدى القصير، فإن ارتفاع السوق يكون ما بين 2 إلى 3 في المائة. وفي دراسة أجريت على 24 دولة، أظهرت النتائج أن أكثر من 250 سوقا تأثرت إيجابا بعد إدراجها في مؤشرات الأسواق، بينما تأثرت 260 أخرى سلبا بعد خروجها من هذه المؤشرات.
وفي دراسة أخرى اختصت بالأسواق الناشئة، شملت 29 دولة انضمت إلى مؤشر «مورغان ستانلي» بين عامي 1998 و2001، أظهرت النتائج أن الأسواق تتأثر إيجابا منذ الإعلان عن الانضمام، ويستمر هذا الارتفاع حتى الدخول في المؤشر.
ويبرر هذا الارتفاع بأكثر من فرضية، إحداها تبرر الارتفاع في السوق بدخول السيولة إليها، وهو ما يزيد الطلب على الأسهم مما يسبب ارتفاعا في أسعارها. أما الأخرى فتبرر التأثير الإيجابي بإمكانية اطلاع مستثمرين بعيدين جغرافيا على تفاصيل السوق بما يعرف علميا بتأثير «الرادار»، أي أن وجود السوق في مؤشر معروف يضع السوق في رادار المستثمرين حول العالم ويجعلها تحت مراقبتهم المستمرة. ويرى الباحثون أن سهولة الوصول إلى معلومات السوق هي أحد أكبر أسباب جاذبية السوق الأميركية، فمن خلال هذه المؤشرات، يستطيع المستثمر معرفة عمق وسيولة وحجم السوق، وبهذا يستطيع التعرف على الفرص المتوفرة فيها. كما أن شهرة الشركات ومعرفة المستثمرين بها تزيد من جاذبيتها حتى وإن كانت عائداتها أقل.
كما أن الانضمام إلى مؤشر الأسواق الناشئة يسهل من مهمة الباحثين الأكاديميين في الوصول إلى معلومات الشركات لإجراء أبحاث علمية، وهو أحد الأسباب الرئيسية في إقبال الباحثين على الأسواق الأميركية، فالكثير من قواعد البيانات توفر معلومات الشركات الأميركية لأكثر من أربعين سنة مضت. أما في حال عدم توفر هذه المعلومات فإن قابلية هذه الأسواق للدراسات البحثية تنحصر فقط على الباحثين من الدولة نفسها، أو ممن يتحدثون لغة البلد من البلدان الأخرى.
وهذا ما يقود إلى نقطة جوهرية في انتعاش سوق الأسهم السعودية، ألا وهي إمكانية توفر المعلومات للمستثمرين، سواء من متحدثي اللغة العربية أو غيرهم. فالسوق المالية تعتمد أولا وأخيرا على توفر المعلومة، ووجود فجوة معلوماتية بين المستثمرين المحليين ونظرائهم الأجانب أحد أكبر المعوقات لدخول الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم. وغموض معلومات السوق لا يزيد المستثمرين إلا إحجاما عن السوق. ولذلك فإنه لا غنى عن توفير المعلومات والتحليلات عن السوق السعودية باللغة الإنجليزية تماما كما هي متوفرة باللغة العربية. وهي فرصة استثمارية عظمى للشركات المعلوماتية المختصة بالسوق السعودية لأخذ الأسبقية في تطوير قواعد بيانات ومنصات متخصصة بالسوق السعودية باللغة الإنجليزية.
إن دخول السوق السعودية في أكبر مؤشرين للأسواق الناشئة يعني انتقالها إلى مستوى مختلف تماما، فوجود المستثمرين العالميين يعني المزيد من المراقبة على الشركات وبالتالي تحسن أدائها، وهو ما يصب في مصلحة المستثمر المحلي بلا شك. كما أن هذه الخطوة حتمية لتكون السوق السعودية مناسبة لطرح أرامكو للاكتتاب. كما أن هذا الانضمام جاء كما يتوقع المتابعون للسوق السعودية من خلال الإجراءات والتنظيمات التي فعلتها هيئة سوق المال في السعودية، وهو مبرر منطقي للارتفاع الحاصل في السوق السعودية منذ بداية العام الجاري. والمتوقع أن تتغير السوق السعودية إيجابا بعد هذا الإعلان من جميع النواحي، وعلى الأخص من ناحية برامج الحوكمة حتى تستمر السوق السعودية في هذه المؤشرات مستقبلا، وحتى لا تكون مثل السوق الأرجنتينية التي عادت مرة أخرى لتنضم إلى مؤشر «مورغان ستانلي» بعد خروجها من هذا المؤشر قبل عقد من الزمان.