سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

هوامش مونديالية

في افتتاح المونديال، حرص فلاديمير بوتين على أن يظهر في الصورة إلى جانب بيليه، أسطورة الكرة البرازيلية، الذي أصبح مقعداً. لم يتحول بيليه إلى أسطورة بسبب عدد الأهداف التي حصدها في الملاعب، بل بسبب شخصيته العذبة وتواضعه الجميل. لم تحزن الناس لخسارة الأرجنتين العريقة أمام كرواتيا الحديثة يوم الخميس. بالعكس. فرحت لخسارتها لكثرة ما أظهر المدرِّب سامباولي من غرور وصلف وعداء في الملعب.
هذه رياضة، مثل كل شيء عام آخر، لا تطيق الغرور. لاحظ كيف اجتذب محمد صلاح إعجاب العالم.
صارت الكرة مرآة لكل شيء في العصر الحديث. وقد أثار ذلك حفيظة زميلتنا العزيزة سوسن الأبطح، فنددت بالمليارات التي تُصرف، فيما ثلث العالم جائع وفقير. ولكن هذا هو العالم الذي ليس مثالياً على الإطلاق. إنه يصرف أضعاف ذلك على الحروب والمخدرات والمؤامرات. ولكن الكرة حرب غير مؤذية، وتجارة واسعة لا ضرر فيها. وإذا كان ثمن اللاعب قد أصبح خيالياً، فإن هذه حصته من المردود. إنه لا يتعدى على مال أحد، ولا يطلب المال من أحد. إنما الناس هي التي تُقبل على مشاهدته، كما تقبل على مشاهدة ممثلي المسرح، أو التلفزيون، أو السينما. هؤلاء أيضاً يتقاضون الأرقام الخيالية في «حضارة السوق»، حيث النجاح سلعة. السوق أرقام، لا رحمة ولا عدالة. وجميع شعراء الأرض لم يحصلوا على شيء مما جنته مؤلفة «هاري بوتر»، ج. رولينغ.
هل قست النفس فأصبحت أبرر ثمن اللاعبين بدل الوقوف مع فقراء الأرض؟ لا. لكن مع العمر، تأكدت أن العالم لا تصنعه طيبة الشعراء ورهافة الشعر. وقد جنت روسيا من معنويات في هذه الدورة ما لم تبلغه يوم صعدت إلى الفضاء، وقرأنا كلام الصورة يقول: «ويبدو الرئيس بوتين واقفاً خلف بيليه». وقد اهتمت الناس لخسارة ألمانيا أمام المكسيك أضعاف ما اهتمت لتشكيل حكومة رابعة برئاسة أنجيلا ميركل.
رياضة تظهر فيها مدى القوة البدنية وصمودها، ومهارة المناورة، من دون لَكم ولا دماء. قليل من التعرق وكثير من الأعراق، ويخرج خاسراً خاسئاً من كان في أخلاق سامباولي.