إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

الزوجة المكسيكية

و«الزوجة المكسيكية» هي الرواية الجديدة للكاتب وأستاذ الجراحة المصري الدكتور إيمان يحيى. طبيب آخر في سلسلة متدفقة يكسبها الأدب من عنابر المستشفيات. رواية نتعرف فيها على جانب خفي من حياة بطلها المناضل والكاتب اليساري يحيى وارتباطه، في بدايات شبابه، بزوجة أجنبية ظلت في مقام السر. وما كان يمكن لهذه الحكاية أن تأخذ قيمتها لولا أنها تستعيد جانباً حيوياً من سيرة القاص والروائي الفذ يوسف إدريس. إن يحيى هو يوسف. وحبيبته ليست أي شابة مكسيكية بل هي المهندسة المعمارية روث ريفيرا، ابنة فنان الجداريات دييغو ريفيرا، ذي الشهرة العالمية والذي تزوج الرسامة فريدا كاهلو.
تقودنا الرواية في خطين متوازيين؛ الأول هو بمثابة الإطار للثاني. وفيه نتعرف على أستاذ للأدب وطالبته الأميركية التي تعد أطروحة عن يوسف إدريس. والثاني يتابع تفاصيل العلاقة التي ربطت بين إدريس وروث. صعقة حب كانت فيينا مسرحاً لها، يوم رافقت الشابة المكسيكية أباها إلى مؤتمر السلام هناك، أواسط القرن الماضي. كان يوسف إدريس، عضو الوفد المصري إلى المؤتمر والتقى بها في لحظة خاطفة وسط محفل ضمّ عشرات الأسماء الرنانة: سارتر وسيمون دو بوفوار وبيكاسو وأراغون وإلزا تريوليه وإيليا إهرنبورغ وبابلو نيرودا.
يهرب العاشقان من قاعة المؤتمر ويتجولان في عاصمة تحكمها جيوش أربع دول كبرى. يتذوق يحيى وروث نكهة علاقة تتفتح تحت وصاية دولية. تدفعه حماسته الشرقية إلى أن يطلب يدها من والدها الذي ينصحهما بالتمهل. نصيحة تقع على آذان صمّاء. يتزوجان وتركب معه الباخرة إلى مصر. ومن مرابع الإسكندرية الجميلة إلى القاهرة. تقاسمه شقته المتواضعة في شارع المبتديان. عريس مشغول بعمله في المستشفى وكتاباته في الصحافة وبرفاقه واجتماعاته السياسية، وعروس تضجر وحيدة في البيت، بعيدة عن وطنها وأهلها ونشاطها الهندسي والفني. تمرّ أشهر ويستفيقان من السكرة. يفترقان وتأتي والدتها لتعود بها إلى حضن العائلة. تذهب روث ريفيرا لتحقق أحلامها الواسعة وتصبح رئيسة الاتحاد الدولي للمهندسات المعماريات. ويواصل يحيى النضال والكتابة ويصبح المبدع الذي نعرف، الدكتور يوسف إدريس.
يوم دخلت روث شقة الزوجية، أهداها عريسها مفتاحاً للباب من الذهب، صاغه «السرجاني». المفتاح ذاته الذي تركته له في مغلف كتبت عليه اسمه، بعد أن بكّر الموت بخطفها. وفي صباح بارد من بداية 1970، يتلقى يوسف إدريس هاتفاً من سفارة المكسيك في القاهرة. يذهب ويقابل موظفاً سلّمه المظروف الذي أوصت له به «المرحومة» سينيورا روث ريفيرا. صدمه الخبر. للموت كالحب، صعقة. وبين الصدمتين رواية تغلي بالوقائع المدهشة وهي تستعيد زمناً كانت فيه مصر مرجلاً يغلي بالآمال. صدرت «الزوجة المكسيكية» عن دار الشروق بغلاف تزينه لوحة شهيرة رسمها دييغو ريفيرا لابنته روث وهي واقفة تتمرّى.
يذهب يحيى، ذات صباح، إلى كازينو جزيرة الشاي لتسليم أوراق محظورة إلى رفيق لا يعرفه. يجلس ويضع جريدة «المصري» مفتوحة أمامه على الطاولة.
سيأتي شخص يقدم نفسه بأنه عباس ليتسلم منه المنشورات. تمرّ عشر دقائق طويلة ويقرر أن ينصرف. ثم تظهر سيدة أنيقة ذات شعر أسود طويل في مدخل الكازينو، تخطو هابطة الدرجات القليلة الفاصلة بين حديقة الحيوان والجزيرة. يشعر بخيبة أمل ويزداد توتره. تقترب الحسناء وتبدو له هيأتها مألوفة رغم أنها تغطي وجهها بنظارة شمسية. تتوقف أمامه وتمد يدها تصافحه: «صباح الخير، أنا الرفيق عباس». تنظر حولها لتتأكد من خلو المكان من النادل وترفع نظارتها الشمسية للحظات. هذه تحية كاريوكا!