مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

إذا غاب وصّى وإذا حضر تقصّى

قال عليه أفضل الصلاة والسلام: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق – ومعنى هذا أن هناك قيماً ومكارم في كل الأزمان بما فيها (الجاهلية) حتى الآن - وتلك القيم يتشارك فيها الرجل والمرأة سواء بسواء. ومما يروى أنه في زمن الدولة السعودية الثانية، كان الإمام فيصل بن تركي في مجلسه المحتشد بالضيوف، ومن ضمنهم رجل عاد لتوه من رحلة سفر طويلة في قافلة مع 300 رجل من أتباعه. فسأله الإمام عن أغرب ما صادفه في رحلته، فقال: وصلنا إلى إحدى البلدات وقد أنهكنا التعب، وما أن مررنا بجانب منزل كبير، حتى اعترضنا رجل مبتسم ومرحب يدعونا للدخول لنكون ضيوفه، وبطبيعة الحال دخلنا، وما هي إلاّ فترة وإذا بالخدم يدورون علينا بالقهوة والتمر، بل إن جمالنا التي كانت بالحوش لم تعدم من الأعلاف وسقايتها بالماء.
وبعد ثلاث أو أربع ساعات، وضعوا لنا العشاء في بساط طويل عليه الذبائح في كرم منقطع النظير، وما أن مددنا أيادينا للأكل حتى وقفت امرأة عند مدخل المجلس مرحبة بنا وقائلة لنا بكل رباطة جأش: يا هلا والله هلا، من الصّمان للدهّنا، أقلطوا على حلال الذي إذا غاب وصّى، وإذا حضر تقصّى.
فتعجبنا من كلامها، وسألتها: أين صاحب البيت إذن؟!، فقالت: إنه مسافر، ساعتها عرفت أن الذي عزمنا ليس صاحب البيت، وإنما هو رجل حاقد أراد إحراج صاحب البيت وأهله.
فسأل الإمام الرجل: هل عرفتم من هو صاحب البيت، فقال: عرفنا أنه زيد الخشيم الخالدي، فأشار الإمام للرجل الجالس عن يمينه قائلاً: هذا هو زيد، عندها وقف الرجلان وتعانقا.
وهذه الحادثة خلّدت ذكر زيد، وزوجته الكريمة الشهمة نورة التميمي، وأصبحت كلمتها تلك مثلاً يحتذى عند القبائل – انتهى.
وفي زمن الجاهلية إليكم ليلى بنت مرداس، زوجة سالم بن قحافة، الرجل الذي من شدّة كرمه يهب لمن يطلبه الجمال لا الأغنام.
وأتاه أحد الضيوف، فنادى على زوجته أن تأتي له بحبل لكي يعقل الجمل – أي يربطه - فقالت له: لقد نفدت الحبال، ولكن إليك خماري علّه يكون بدلاً من الحبل، ورمته عليه.
وأنشدت في هذه المناسبة بضعة أبيات منها:
حَلفت يميناً يا ابن قحفانَ بالّذي
تكفّلَ بِالأرزاقِ في السهلِ والجبلْ
تزالُ حبالٌ مُحصداتٌ أعدها
لَها ما مَشى مِنها على خُفّهِ جَمَلْ
فَأَعطِ ولا تَبخَلْ لِمن جاءَ طالباً
فَعِندي لَها خُطْمٌ وَقَد زالت العِلَلْ
يا قرد حظ من تكون له زوجة مثل هاتين المرأتين، لأنها من مبالغتها بالكرم سوف تفقره، وتجعله (يمشي وهو يكلّم نفسه).