هناك موسيقى أفلام وهناك دقي يا مزيكا.
الأولى ترفع الفيلم والثانية تطيح بحسنات الفيلم إذا ما وُجدت. إذا لم تكن موجودة لا يهم فالفيلم في منطقة منخفضة. مشكلة أخرى لن تؤثر في مستواه على أي حال.
فكّر في الموسيقى التي استخدمها ألفرد هيتشكوك في «سايكو». كيف صاحبت المشاهد التي احتاج الفيلم إليها. كيف لم تنتشر على طول الفيلم كما تفعل أفلام اليوم. هناك مشهد مهم في هذا الإطار يقع عندما يصعد التحري (مارتن بالسام) السلم العريض داخل البيت القديم بحثاً عن سر لا يدركه. هنا امتنع المخرج العظيم عن استخدام الموسيقى حتى اللحظة الأخيرة. بذلك حقق شيئين مهمين في ظرف دقيقة ونصف هي مدة المشهد:
أولاً: ترك الصورة تعمل وحدها ما يزيد من فاعلية التشويق وحبس الأنفاس (آه يا هيتش آه).
ثانياً: استخدم الموسيقى في اللحظات الأخيرة بفاعلية مضاعفة لما كان الحال لو استخدم الموسيقى من بداية المشهد.
تسمع صوت صرير الدرجات الخشبية في ذلك المشهد. أما لو أن المشهد كان من بنات أفلام اليوم لطغت الموسيقى على كل شيء على نحو لا يترك للصورة الدور الأساسي الذي على الفيلم أن يحفظه لها.
في فيلم سبايك لي الجديد «بلاكلانسمان» يستعير المخرج من فرقة The Temptations إحدى أفضل أغانيها السياسية اللون والموضوع وهي Ball of Confussion. ليس فقط أنها حوت كل معاني الفيلم الواردة وعكستها بكلماتها، بل باتت أساساً مكملاً لعناصر الفيلم ولم تعد إضافة (استخدم مهرجان «كان» الأخير الأغنية كاملة خلال حفلة الفيلم المسائية).
هذا هو دور الموسيقى والأغنية. دور ملتزم بأن ينتمي إلى ما يود الفيلم توفيره على شريط الصوت يعمل ليساعد الصورة وليس لاحتلالها.
بالانتقال 180 درجة إلى الوضع المضاد نجد أفلام اليوم هي من نوع «دقي يا مزيكا». والمزيكا هنا تدق دون توقف... طبول وغيتارات وأبواق ومؤثرات دجيتال محشوّة وأصوات نافرة وأخرى تمزق الأذن. وهي لا تفرض زعيقها في مشاهد معينة، بل تريد أن تنتشر في كل مشهد مناسباً كان أو غير مناسب.
قد تتوقف عندما يتحدث بطل الفيلم (أحياناً تتمنى لو لم يتكلم هو الآخر) وتنطلق من جديد إذا ما تحرك.
مخرجونا العرب (الجدد خصوصاً) يعتقدون، بصفة غالبة للأسف، أن هذا هو دور الموسيقى في الأفلام. وعندما يباشر المخرج اختيار عناصره من الفنانين والفنيين يختار المؤلف الموسيقي الذي سيسمعه ألحاناً يعتبرها مناسبة. لكن هل هي كذلك؟ المسألة هي أن قليلا من المخرجين يعرفون سر استخدام الموسيقى. بالتالي فإن ما يتراءى له كموسيقى ليس سوى «مزيكا» تشبه العلكة وتقوم بدورها أيضاً.
11:26 دقيقة
TT
دقي يا مزيكا
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة