حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

وجوه الإرهاب

عندما أعلن أبو بكر البغدادي إطلاقه دولة الخلافة الإسلامية في مسماها الجديد الذي حل بديلا عن «داعش»، وهو الاسم المعروف لـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، أراد أن يطلق بذلك حملة «ترويجية» أو كما يطلق عليه في علم التسويق إعادة مركزة «Repositioning» للمنتج أو العلامة التجارية، فـ«داعش» أضافت اسم الخلافة «الجذاب» والمصاحب للحالة العاطفية لكل من يطلع عليه، فهو استرجاع لماض جميل في التاريخ الإسلامي. وأعلن أبو بكر البغدادي نفسه خليفة للمسلمين بدلا من زعيم تنظيم أو أمير جماعة أصبحت مرتبطة ذهنيا باسم التنظيمات الإرهابية. وأضاف البغدادي إلى اسمه العدناني القرشي (ليحرك في قلوب الأتباع والمترددين الانتماء إلى آل البيت الشريف وإلى قريش القبيلة المكية الكبيرة)، وأعلن عن كل ذلك في أول شهر رمضان الفضيل الذي له مكانة خاصة ومقدسة جدا في قلوب المسلمين كافة. وإلى هنا، تنتهي علاقة هذه الفرقة بأي شيء له علاقة بالدين الإسلامي الذي يجمع عليه المسلمون حول العالم.
هذه المجموعة هي نموذج جديد لما يسمى بالخروج من مصباح التطرف والجنون، الذي كلما «فركه» أحد خرج من القمقم جني جديد يشعل التطرف بشكل أحمق؛ «جهيمان» الذي احتل الكعبة وجماعته وقتل فيها من قتل، والكل لا يزال يتذكر تلك الوجوه القبيحة التي احتلت بيت الله الحرام، وما هي إلا أيام بسيطة حتى أتى رمز جديد على المنطقة من رموز الطائفية وحل الخميني زعيما على إيران، جيء به من فرنسا ليقود حراكا طائفيا في المنطقة... وأشعل نيرانا لا تزال موجودة بدعوى تصدير الثورة إلى الدول المجاورة، وهي مسألة شعر بها من يعيش في العراق وسوريا ولبنان بشكل رئيس، وهذا المشهد هو الذي سمح لرئيس تنظيم «حزب الله» الإرهابي بأن يعلن في مؤتمر صحافي أن ولاءه هو للولي الفقيه بإيران، وأن حلمه ومشروعه أن يكون في لبنان دولة إسلامية جزء من الجمهورية الإسلامية في إيران.
هذا المناخ ولّد تطرفا شديدا أظهر تنظيم القاعدة الإرهابي بفروعه في العراق واليمن والجزيرة العربية وشمال أفريقيا، وحركتي «الشباب» بالصومال و«بوكو حرام» في نيجيريا تماما، كما ظهرت حركات وفروع تابعة لـ«حزب الله» في العراق واليمن ونيجيريا ومصر وسوريا. كل هذا الجنون كان لا بد أن يولد تطرفا وجنونا وتشددا من الشكل الذي نلقاه ونعيشه ويهدد أمننا وسلامتنا، وهذا نتاج طبيعي لكل ذلك.
المنطقة مرشحة للمزيد من التصعيد والتعقيد؛ فالتربة لا تزال خصبة لزرع المزيد من الكوارث والفتن فيها، وذلك بعد غياب الصوت الوسطي والمؤثر والمؤهل وتغييبه في حالات كثيرة. من الواضح أن العالم الإسلامي بحاجة ماسة لتهذيب الفتاوى ووضع حد لمهزلة «الإفتاء المطلق» بالشكل الفوضوي الحاصل الآن، الذي لم يعد فقط مثارا للسخرية والتندر، ولكنه تحول مع الوقت إلى خطر شديد على سلامة الأوطان، يهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي.
غلو الخطاب التكفيري في بعض كتب السنة والشيعة وزيادة حدته في الخطاب الديني سيزيدان من عواقب ما هو قادم، وقد يزيدان من اشتعال الحروب الطائفية في منطقة تبدو مؤهلة لذلك، ومع كل المحاولات الاعتذارية من علماء دين في الطائفتين، فإن الواقع المؤلم يبقى قائما وتبقى الكتب والفتاوى التحريضية موجودة.
«داعش» وجه قبيح وقاتل، وهو الوجه الآخر لـ«حزب الله» الإرهابي، وهما بحاجة ماسة بعضهما لبعض ليبقيا على قيد الحياة، فهما يتغذيان على دماء الآخرين وتحديدا دماء الآخر، لأن ذلك الأمر تحديدا هو سبب بقائهما على قيد الحياة، وكلاهما بحاجة لإظهار «العكس» عنهم لتبرير بقائهما واستمرارهما، ولكن المنطقة بحاجة ماسة للخلاص منهما فورا، فهما بصمات الشر وآثاره، وجرائمهم بمختلف أشكالها لم يعد من الممكن قبولها.
المنطقة بحاجة لأن تتطهر من هذه الأشكال الإرهابية، ويجب التعامل معهما على أنهما عصابات لا علاقة لها بالدين، والمسؤولية تقع على العقلاء جميعا في المنطقة لأننا نتعامل مع قنبلة «نووية» في أضرارها، إذا ما انفجرت فستنال وتصيب شظاياها أفراد المجتمع كافة دون استثناء.