هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

رفسنجاني استرجع مواقف الخميني لإقناع خامنئي بالتفاوض مع أميركا

في دفاعه عن الاتفاق النووي مع إيران قال الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال حوار في مؤسسة «بروكينغز» يوم السبت الماضي، إن الاتفاق لا يعطي إيران حق تخصيب اليورانيوم.
طبعا هذا ليس ما أشار إليه الاتفاق بحق إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 إلى 5%. هي رفضت التراجع عن نسبة العشرين في المائة (خط أحمر). وتأكيدا على ذلك صرح الناطق باسم الوكالة الذرية الإيرانية بهروز كمالواندي في اليوم نفسه بأن إيران في سبيل اختبار تقنية تخصيب لليورانيوم أعلى كفاءة من السابق.
المشكلة في الغرب وبالذات في الولايات المتحدة أنهم يتصورون العالم العربي والشرق الأوسط حسب الصورة التي يريدونها، هؤلاء ضعفاء، وهؤلاء أقوياء، وينطلق الغرب في اندفاعاته وتراجعاته بشن حملات عبر إعلامه على دول عربية، ثم يأتي وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل ليقسم في المنامة على قوة العلاقة الخليجية - الأميركية، ثم ليقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إن أميركا لا تنسى أن إيران الدولة الأولى في العالم الداعمة للإرهاب (مؤتمر سابان في بروكينغز).
هذا التخبط يعود إلى عدم إتقان لغات المنطقة، وبالذات العربية والفارسية، وهذا ليس بجديد، إذ في زمن «إمبراطورية الشر» - الاتحاد السوفياتي - كان المتخصصون في الشأن السوفياتي لا يتقنون الروسية، وعند تفجير البرجين في نيويورك كان عدد المترجمين إلى العربية الرسميين في جهاز الـ«إف. بي. آي» أربعة فقط، أي أقل من أصابع اليد الواحدة.
احتفل الغرب بفوز حسن روحاني وتعلق بكل إيماءة يقوم بها هو ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، لكن من يتابع الصراع القائم في إيران بين المرشد الأعلى علي خامنئي، ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني يدرك كثيرا عن الواقع الذي آلت إليه الأوضاع في إيران، وبعد تأثير رفسنجاني وقوته وقدرته على تغيير مواقف خامنئي. ومن تابع تصريحات رفسنجاني منذ أكثر من ثمانية أشهر يعرف أن هناك بديلا لاتفاق متسرع قال أوباما إن احتمال نجاحه هو 50%.
عندما اتهم رفسنجاني الرئيس السوري بشار الأسد بأنه استعمل الكيماوي ضد شعبه، تحسر أيضا على محنة الشعب الإيراني الذي، كما قال، يعاني في ظل العقوبات التي تؤثر على جميع مجالات الحياة والأمن والاقتصاد، وقال إن هذا يعود إلى سياسة خامنئي النووية التي ترفض كل خيارات المساومة مع الغرب والولايات المتحدة من أجل التخفيف من معاناة الشعب (نشرت تصريحاته بالصوت والصورة على الـ«يوتيوب» في الثاني من سبتمبر (أيلول) الماضي. في كلمته قال رفسنجاني: «مشكلاتنا الحالية حقيقية.. نحن محاصرون في ظل العقوبات والمقاطعة، لا يمكننا استخدام مواردنا، لا نستطيع بيع نفطنا وإذا استطعنا لا نستطيع تحويل الأموال».
لسنوات ظل رفسنجاني يدعو للحوار مع الولايات المتحدة الأميركية كي تستطيع إيران تحقيق أهدافها الاستراتيجية في المحادثات النووية، أبريل (نيسان) 2012.
ومن أجل أن يسيطر في صراعه ضد سياسة خامنئي المتطرفة لجأ رفسنجاني إلى مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، مسترجعا سياساته وقراراته التاريخية، وأبرزها قراره الموافقة على قرار مجلس الأمن 598، وبالتالي إنهاء الحرب العراقية - الإيرانية، معتبرا ذلك نموذجا للاعتدال يجب أن يحتذى في الوقت الحاضر.
قرار الخميني بإنهاء الحرب، شبهه بشرب كأس السم، وهي عبارة حفرت في العالم، وبالذات في إيران - اعترافا بالهزيمة وانقلاب كامل على السياسة المتبعة من أجل إنقاذ النظام والدولة - تبناها رفسنجاني الآن وطالب بالتمثل بها في معالجة وضع إيران والعمل على رفع العقوبات عنها.
في 20 يوليو (تموز) 2013 نشر مكتب رفسنجاني مقابلة خاصة أجريت معه بمناسبة ذكرى القرار الدولي 598.
في تلك المقابلة التي حملت عنوان «قبول القرار 598 جاء بسبب اعتدال الخميني»، يشير رفسنجاني إلى أن قرار «شرب كأس السم» كان ضروريا لمصلحة البلاد.
الأهم في تلك المقابلة، وصف رفسنجاني اتخاذ قرار إنهاء الحرب وشرب كأس السم من أجل إنقاذ الثورة ومستقبل إيران، قال: «في أحد الاجتماعات أتينا خمسة رجال للقاء الخميني كي نخبره عن مجرى الحرب، ولنبحث ما إذا كنا نرغب في الاستمرار بها أم لا. كنت حازما عندما قلت إنني لا أرى مصلحة للنظام في استمرار الحرب. في ظل ظروف تلك الأيام كان صعبا على الإمام أن يوقع ويقبل بذلك».
يضيف: «طال الليل واستمر اللقاء. اقترحت عدة آراء. أشار الخميني إلى أننا قلنا للشعب حتى لو طالت هذه الحرب 20 عاما فسوف نظل نقاوم حتى الانتصار، والإطاحة بخطر الفتنة في العراق. ستنكسر قلوبهم إذا أعلنا انتهاء الحرب (...) قبلنا وجهة نظر الخميني، ولم نناقش، إنما استمررنا في مناقشة ما إذا كان من مصلحة النظام الاستمرار في الحرب على هذه الوتيرة، وتعمقنا أكثر في النقاش. اقتنع الإمام بأن علينا إنهاء الحرب الآن، ووصلنا إلى قرار بأن ذلك من مصلحتنا. ثم ناقشنا كيف سنفعل ذلك. قلت مقترحا: إذا كان من الصعب عليك أن تعلن ذلك فأنا سأجد حلا للمشكلة، ولأنني الثاني بعدك في قيادة القوات المسلحة، ولي حق التوقيع، فسأعلن أنني وافقت على القرار 598 لإنهاء الحرب، وربما بعد ذلك مباشرة تخرج أنت (الخميني) وتقول إن رفسنجاني تجاوز صلاحياته وكان عليه طلب الإذن مني بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة، وتستطيع بعدها أن تقدمني للمحاكمة، لأنه من الأفضل التضحية برجل من الانتهاء بعدد لا يحصى من المشكلات». (هذا ما فعله خامنئي عندما انتقد الاتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني).
يستطرد رفسنجاني: «نظر إليّ بعطف وقال: هذا ليس حسنا». يقول رفسنجاني إنها المرة الأولى التي يروي فيها تفاصيل تلك الليلة، والتي شارك فيها قادة ثلاث مؤسسات: هو بصفته رئيس البرلمان، وخامنئي رئيس الجمهورية وآية الله موسوي أردبيلي رئيس القضاء، إضافة إلى رئيس الوزراء حسين موسوي وأحمد ابن الخميني. ولا يتذكر أن أحدا غيره، وغير الخميني أعطى أي اقتراح تلك الليلة، يقول: «أخبرناه عن تدهور الوضع الاقتصادي، وعن وضع تصدير النفط والأوضاع في ساحات المعارك، وأوضاع المقاتلين وعدم قدرتنا على إدارتهم. روينا له مشكلات عائلات المقاتلين ومشكلات أسرى الحرب، ومشكلات أخرى. بعد شرحنا وافق على إنهاء الحرب. كنا نعرف أن الغرب وروسيا على استعداد لتزويد العراق بكل ما يحتاجه لحملنا على الموافقة على إنهاء الحرب، وكنا خائفين من أن يلجأ العراق إلى استعمال الكيماوي، كما في حلبجة، ضد تبريز أو أورميا أو حتى طهران».
في ظل كل هذه الأوضاع صارت مصلحة النظام واضحة. يقول رفسنجاني: «بسبب حكمته قال الخميني: أشرب كأس السم. أي أنه اختار، لم يجبره أحد على ذلك، كان ينظر إلى البعيد للحفاظ على مصلحة النظام. بعدها رفضت أصوات القرار، وأصوات وافقت عليه».
وعما إذا كان في ظل المناخ السائد حاليا فهل أن الخميني كان سيحيل الأمر إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام ليقرر؟
قال رفسنجاني: «إذا أردنا القيام بالشيء نفسه، أي وضع حد للعقوبات، سيكون من الممكن فعل ذلك، إذا أراد المرشد خامنئي أو الإمام الخميني تحميل هذا العبء بأكمله لأكتاف أخرى، والقول إن مؤسسة شرعية تقرر ذلك، هذا ممكن، لكن زمن الخميني، القائد العام تحمل كل المسؤولية».
في اليوم التالي لنشر هذه المقابلة، رد خامنئي قائلا: «لقد اعتقدنا دائما بضرورة التفاعل مع الدول، القائم على الاعتراف بالطرف الآخر وتفهم أهدافها. في السنوات الماضية لم أرفض فكرة التفاوض حول عدد من القضايا مثل العراق... لكن الأميركيين غير منطقيين ولا يمكن الاعتماد عليهم وغير مستقيمين (...) عندما تتفاعل مع الدول فإن المفروض أن تستمر في مسارك، من دون أن تسمح للطرف الآخر (أميركا) بأن يعرقل حركتك إلى الأمام!».
إذن الإبقاء على العقوبات كان أفضل بديل للهجوم العسكري، وأفضل بديل لاتفاق أعطى إيران الحق بتخصيب اليورانيوم، والشعور بأن لديها الضوء الأخضر للتحكم بمنطقة الشرق الأوسط الكبير.
بعد لقاء روحاني والرئيس الأفغاني حميد كرزاي قال البيان المشترك: «إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعارض أي وجود لأي دولة أجنبية في منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسي».
أي أن وجودها يكفي امتدادا من أفغانستان حتى غزه طالما أن جائزة «نوبل للسلام» حررت الرئيس الأميركي باراك أوباما من كثير من الالتزامات الضرورية!