د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

السبيل إلى استقرار ليبيا

اتفقت الأطراف الليبية المختلفة على إجراء انتخابات برلمانية في العاشر من ديسمبر (كانون الأول) المقبل وجاءت هذه الخطوة بعد مجهود قوي بذلته الأمم المتحدة من أجل إعادة الاستقرار إلى ليبيا التي تعاني من فوضى أمنية وسياسية منذ مقتل العقيد معمر القذافي.
السؤال: لماذا تهتم الأمم المتحدة والرئيس الفرنسي باستضافة اجتماعٍ في باريس يضم الفرقاء الليبيين كلهم؟
جميع دول العالم المتحضر تحرص على إعادة الاستقرار إلى ليبيا، لأن الخلافات بين النخبة السياسية الليبية التي يمثلها فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، والفريق الثاني الذي يقوده قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر الذي يسيطر على المنطقة الشرقية من البلد، وأيضا على أجزاء من من المنطقتين الغربية والجنوبية، والفريق الثالث الذي يقوده عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الذي يتخذ من مدينة طبرق شرقي البلاد مقراً له، ولم يصادق حتى الآن على الاعتراف بحكومة السراج الإدارة المدعومة من الأمم المتحدة، والفريق الرابع بقيادة خالد المشري رئيس مجلس الدولة الأعلى، وهي أعلى هيئة استشارية في ليبيا.
تجدر الإشارة إلى أنه توجد قوى سياسية فاعلة في ليبيا لم تتم دعوتها إلى مؤتمر باريس وهي الجماعات الإسلامية المتطرفة. وكيف يمكن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في شهر ديسمبر المقبل إذا لم يكن هنالك اتفاق على حكومة موحدة وكيان سياسي وعسكري فعال داخل الأراضي الليبية، ويسيطر سيطرة كاملة على مناطق ليبيا كلها؟
عملياً وفعلياً لدينا قوى سياسية يدب بينها خلاف سياسي حضرت مؤتمر باريس، يوجد بينها حكومتان (طبرق وطرابلس)، وحضر المؤتمر المشير خليفة حفتر، والهيئة الاستشارية العليا، ورئاسة مجلس الدولة.
من المفارقات الغريبة في ليبيا أن هناك من السياسيين الذين حضروا مؤتمر باريس كانوا أيضا من ضمن الحضور في مؤتمر الصخيرات في المغرب، لكن بنود الاتفاق ظلت حبراً على ورق ولم يطبَّق أيٌّ منه، مما سمح بالمزيد من الفوضى، وعدم الاستقرار سمح بدخول الفصائل الإرهابية ولمهرّبي المهاجرين بالعمل بحرية.
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش كان محقاً عندما أكد ضرورة بناء قوات عسكرية راقية تعمل في ظل رقابة مدنية، ودعا جميع الأطراف لتنفيذ الترتيبات الأمنية المؤقتة المنصوص عليها في اتفاق الصخيرات.
الرئيس الفرنسي ماكرون كان واقعياً عندما ذكر في كلمته في باريس أن الوضع في ليبيا يفرض اتخاذ قرارات من أجل المصالحة بين أطراف النزاع، مشدداً على الرغبة في المصالحة مع ترك القرار للشعوب ذات السيادة.
غسان سلامة، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا والذي شارك في مؤتمر باريس، أكد ضرورة التزام المسؤولين الليبيين الاتفاق من أجل الخروج من الأزمة... تجدر الإشارة هنا إلى أن الفصائل الليبية قد اتفقت على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في العاشر من ديسمبر المقبل، كما اتفقوا على إعداد قاعدة دستورية للانتخابات بحلول 15 سبتمبر (أيلول) المقبل.
وأخيراً نتساءل: هل يمكن الحديث عن الدعوة للانتخابات وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية في ليبيا، في ظل استمرار الخلافات السياسية بين النخبة السياسية وفي ظل تفشي العنف والتطرف والإرهاب والمتاجرة بالبشر المهاجرين إلى أوروبا؟ فاستمرار الخلافات السياسية بين التيارات المختلفة ستعيق بناء الدولة المدنية التي إذا غابت فسيغيب معها الحديث عن الاستقرار.
الدعوة إلى إجراء الانتخابات في ديسمبر القادم لا تعني تحقيق الديمقراطية، فالديمقراطية -حسب فهمنا- تعني المشاركة المسؤولة في عملية صنع القرار، وبما تنطوي عليه من بناء المؤسسات في الدولة، والالتزام بحكم القانون وما تنتجه من قدرة على المحاسبة وتقويم الأداء الحكومي.
نحن لسنا متفائلين بمستقبل ليبيا، لأن الممارسة الديمقراطية في الوطن العربي ليست موجودة، والموجود في بعض البلاد العربية ما هو إلا ديمقراطيات مشوّهة وناقصة... كيف يمكن أن تنجح الديمقراطية في ليبيا من دون وجود قيادات وطنية مخلصة تفكر في مصالح شعبها ووطنها قبل مصالحها؟ كل ما نريده هو استقرار ليبيا ووقف الحروب العبثية بين القيادات السياسية حتى يتحقق الأمن، وبعدها يتم بناء المؤسسات تمهيداً للانتخابات.