نوح فيلدمان
أستاذ القانون بجامعة هارفارد وكاتب بموقع «بلومبيرغ»
TT

كيم يراهن على قبول ترمب نصف الصفقة

كما هي العادة دائماً في كل أفعال الرئيس دونالد ترمب، لم نر في الرقص مع كوريا الشمالية إلا ما يخالف القوانين غير المكتوبة. فما كان أي من رؤساء الولايات المتحدة السابقين ليسمح لديكتاتور بأن يتلاعب به. لكن ترمب لا يبالي.
لكن إلى أي مدى سيذهب ترمب في اهتمامه بالقوانين، خصوصاً إذا ما كانت جائزة نوبل في المتناول؟ هل سيكون ترمب مستعداً لتوقيع اتفاقية سلام ليضع حداً للحرب الكورية الشمالية، ويجمد برنامج أسلحتها؟
ولدى إعلانه الجمعة الماضي أن قمة 12 يونيو (حزيران) ستعقد في موعدها بسنغافورة بعد الإعلان عن إلغائها، قال ترمب «سنتعامل، وسنشرع في السير بالعملية»، مضيفاً: «تذكروا ما أقول، سنرى ما نراه».
يشبه الاتفاق الجزئي مبدئياً اتفاق الرئيس السابق باراك أوباما مع إيران، وهي الاتفاقية التي طالما شجبها ترمب وانسحب منها. فعقد اتفاقية مع كوريا الشمالية يشبه بالضبط الاتفاق الإيراني؛ الاثنان يمثلان بنداً غير عادي لدحض الذات.
لكن ترمب يجسد ما يمكن أن تطلق عليه مبدأ والت وايتمان السياسي عندما تساءل: هل أنا متناقض مع نفسي؟
بالفعل أنا متناقض مع نفسي كثيراً، أنا متسع من الداخل وأحوي الكثير.
ولذلك فمن المفهوم أن ترمب سيتطلع إلى عقد صفقة جزئية مع كوريا الشمالية.
أستطيع التفكير في لاعبين مهمين على الأقل يفكران بهذا المنطق. الأول هو كيم جونغ أون، إذ يبدو من المستحيل أنه سيتخلى بصفة نهائية عن قدراته النووية، فهي ورقة لعبه الوحيدة مع باقي دول العالم. فهكذا كانت نهاية معمر القذافي وصدام حسين. إن كان كيم يأمل فعلاً في الوصول إلى ما يشبه الاتفاق ليخلصه من ترمب، عليه أن يدرك أنه من المستحيل أن يوافق ترمب على شيء أقل من التخلي عن القدرات النووية بشكل كامل.
اللاعب الثاني هو جون بولتون، مستشار الأمن القومي الجديد لترمب. فلاعب حاذق وخبير مثل بولتون لا يستدعي ليبيا مثالاً عند مناقشة المفاوضات الكورية الشمالية. وأفضل ترجمة لملاحظاته هي أن بولتون أدرك تماماً أن رد فعل كوريا الشمالية للمقارنة الليبية سيكون هائجاً، وستهدد بالانسحاب من المفاوضات. كان بولتون يتوقع حدوث ذلك، وهو ما كان يجب أن يتمناه، لأنه يخشى أنه في حال انعقدت القمة لن يقاوم ترمب إغراء الموافقة على اتفاق جزئي، لكي يعلن الانتصار، ومن ثم يذهب إلى أوسلو ليتسلم جائزة نوبل للسلام.
بالنسبة لصقر مثل بولتون، فإن سيناريو الاتفاق الجزئي بمثابة الكابوس. هل سيكون حقاً بهذا السوء؟ فغاري سامور، منسق أوباما لشؤون التسليح وصاحب الخبرة الطويلة في التفاوض مع كوريا الشمالية، يرى عكس ذلك. فهو يجادل بأن النتيجة تستحق العناء حال أدت المفاوضات إلى تجميد الاختبار لسنوات قبل أن يفضي في النهاية إلى تفكيك جزئي للأسلحة الموجودة.
المنطق الأساسي لوجهة نظر سامور هو أنه بخلاف المفاوضات، ما من طريق موثوقة للضغط على كيم. فالمفاوضات والسلام أفضل من المواجهة والحرب.
هذا بالطبع هو المنطق نفسه الذي أدى إلى الاتفاق الذي جرى بين أوباما وإيران. فإن اعتقدت أن لهذا المنطق معنى، فسيكون هناك سبب يجعل من الاتفاق الجزئي مع كوريا الشمالية أمراً مجدياً.
لكن الجانب السلبي لاتفاق ترمب كيم الجزئي هو أنه سيكافئ كيم على السلوك الذي وضعه أمام رادار ترمب في المقام الأول، وهو اختبار القنابل النووية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات. لكن هذا ليس بالحل الصحيح لأن من شأنه أن يرسل رسائل إلى كوريا الشمالية تقول إن التعامل بعدوانية وإشاعة الخوف من الحرب هو السبيل للحصول على تنازلات.
ستكون هذه الرسالة غير مرغوب فيها، إن وجهت إلى غيرها من القوى النووية مثل باكستان، أو القوى القريبة من إنتاج الأسلحة النووية مثل إيران. فالرسالة تقول إن أفضل طريق للحصول على تنازلات من الولايات المتحدة في عهد ترمب هو التهديد وتفجير الأزمات ثم عرض التفاوض.
الأهم هو أن مكافأة كيم ترسل دولياً رسالة واسعة المدى؛ مضمونها أن المواجهة والتصعيد هي الطريق الأنسب لكسب الانتباه وتحقيق التقدم في طريق المفاوضات مع ترمب. وما ينطبق على السياسة النووية ينطبق أيضاً على السياسة التجارية. ومع ذلك، علينا أن نقر بأن المواجهات التي تتبعها مفاوضات هي أسلوب ترمب، كما شاهدنا جميعاً في سياسته التجارية مع الصين.
هناك تكلفة عالمية لمثل ذلك النهج الخطر في التعامل مع المشكلات العالمية. فرفع درجة الحرارة بهدف الحصول على مكافأة نظير خفض الحرارة ستؤتي ثمارها في حال كان التهديد حقيقياً.
وهذه إحدى الطرق التي تبدأ بها الحروب، سواء كانت حروباً تجارية أم مجرد تمويه. وعندما يحاول الجانبان الإيحاء بخطورتهما، وأن تهديداتهما حقيقية، سيكون من السهل إساءة فهم استراتيجية الطرف الثاني. فالخداع يؤدي إلى الخداع المضاد، ولذلك يمكن أن يصبح تفادي تبعات التهديد أمراً مستحيلاً.
عند النظر إلى ما يحدث في ضوء الاتفاق الإيراني، فربما يكون هناك معنى لعقد اتفاق مشابه مع كوريا الشمالية. لكن إن نظرنا للأمور من منظور أوسع، فسنجد سبباً للخوف من احتمال إبرام ترمب لاتفاق سلام مع كيم من دون أن ينتزع منه تنازلات ذات معنى. ولذلك يمكن أن يكون بولتون على حق هذه المرة فقط.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»