جورج إسحاق
سياسي بارز, عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر
TT

الإفطار الجماعي في ميدان التحرير.. مشهد لا ينسى

شهر رمضان الكريم كان ولا يزال مصدر بهجة خاصة في حياتي، خاصة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث كان الاعتصام في ميدان التحرير وصور الإفطار الجماعي مشهدا تاريخيا لا ينسى في حياة المصريين. وسأظل أعتز بهذا المشهد الذي استرعى انتباه وسائل الإعلام الغربية وهي تركز على صور لي ومعي كثيرون من المسيحيين يحيطون بمئات من المسلمين خلال الصلاة لحمايتهم من أي محاولة لاقتحام الميدان.
أنا أتفهم من واقع خبرتي بصفتي مناضلا وناشطا سياسيا وقياديا سابقا في حركة «كفاية»، معنى هذا الاهتمام الغربي، فقد نشأت في بورسعيد (التي تقع على البحر الأبيض وتعد المدخل الشمالي لقناة السويس أحد أهم الممرات الملاحية في العالم)، وهي بوصفها مدينة ومجتمعا منفتحا تماما، لم نفكر مطلقا بهذه الطريقة: «أنا مسيحي.. أنت مسلم»، هذا لم يخطر على بالنا يوما.. كان هذا في الزمان الذي نشأت فيه، لكن الآن يبدو أن الأمور قد تغيرت.
لكن مع ذلك يحدوني الأمل دوما في أن تعود هذه الروح التي ظهر قبس منها في ميدان التحرير، إلى حياتنا نحن المصريين.. لقد تذوقت حلاوة هذه الروح خلال الأيام التي احتشد فيها المصريون على اختلاف انتماءاتهم لإسقاط (حسني) مبارك (الرئيس الأسبق)، ثم في نضال المصريين ضد حكم «الإخوان».. كنت وسط الميدان أشعر بأن هذه هي الروح التي تذوقت حلاوتها في بورسعيد وأنا في ريعان الصبا والشباب.
لقد بدأت حياتي العملية بالعمل مدرسا للتاريخ، ثم خبيرا تربويا، ثم تقلدت منصب مدير المدارس الكاثوليكية بمصر لفترة طويلة، وكان الإفطار الجماعي الذي كان الأهل في بورسعيد يقيمونه في حديقة تسمى «حديقة الباشا».
كانت هذه واحدة من أمتع لحظات حياتنا وأطيبها، وما زلت أذكر طعم تلك الإفطارات التي كانت تجمعنا في «حديقة الباشا» مسلمين ومسيحيين.. وحتى اليوم أنا لا أتناول طيلة النهار سوى إفطار خفيف وأمتنع عن الطعام بعده.
وتحت مظلة شهر الصيام الكريم، أتمنى أن تزدهر مدينتي بورسعيد التي اشتهرت بالصمود خلال سنوات الخمسينات والستينات، وهجّر معظم أهلها مع نكسة 1967، وأتمنى أن يختفي الاحتقان الذي أصاب المجتمع المصري، وأن تتراجع هذه الروح «الرديئة»، فهي قرينة الجهل والتخلف، وضد قوى العلم والتقدم والاستنارة، ولا تمت بأدنى صلة لطبيعة الشعب المصري.