حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

كوريا... الصين... أميركا... الحرب!

العالم يترقب بقلق وبحذر أخبار القمة المتوقعة بين زعيم كوريا الشمالية والرئيس الأميركي، والمتوقع انعقادها قريباً في سنغافورة. من ظاهر الأمور يبدو واضحاً للجميع أن السبب الرئيسي للقاء هو إقناع الزعيم الكوري الشمالي بالتخلي عن ترسانته النووية (وهذا صحيح)، ولكن من الواضح أن كوريا الشمالية مقدمة على «تحول» قد يؤدي إلى تكامل ثم وحدة مع كوريا الجنوبية، وهذا ما تسعى إليه وبقوة الولايات المتحدة، فهي لديها قناعة قوية أن كوريا الموحدة ستكون قوة مزعجة بالنسبة لطموح الصين الاقتصادي المتنامي. الشركات الكورية كبرت وأصبح لديها الخبرة والمعرفة التي تمكنها من استغلال الأيدي العاملة الرخيصة في كوريا الشمالية، ومع الوقت يمكن أن تكون كوريا الموحدة قوة لا تقل عن اليابان في مواجهة الجموح الاقتصادي المتزايد للصين.
المحاور الأساسية للسياسة الأميركية تجاه الصين هي «إطلاق» و«تقوية» دول محورية في آسيا قادرة على إشغال الصين اقتصادياً، وعليه أميركا ستهتم بتكثيف الاستثمارات مع اليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا وغيرها من دول النمور الآسيوية، مع الضغط بقوة على الصين عن طريق العقوبات الاقتصادية القاسية.
ملف كوريا الشمالية الغاية منه تقوية كوريا موحدة لإشغال الصين اقتصادياً بعملاق اقتصادي جديد، والصين تدرك ذلك تماما، ولذلك ترغب أن يكون لديها كلمة في المباحثات المقبلة، وخصوصاً أنها «حبل الحياة»، ولكن «كروت» الصين محدودة في هذا المجال، فالنظام الكوري الشمالي لا يملك إلا ترسانة نووية «مجبور» الآن على التخلي عنها، ولكن سيكون على حساب المقابل المطلوب، وقد يكون حماية سياسية للمرحلة التالية بعد الوحدة الكورية المنتظرة، والصين بدورها تمارس ضغوطاً من نوع آخر على الولايات المتحدة في آسيا، وهي اليوم تفرض أمراً واقعاً جديداً على الأرض في الجزر المتنازع عليها مع فيتنام والفلبين وحتى اليابان بتركيز وتكثيف وجودها بالعتاد العسكري والبشري على هذه المواقع، والصين تكثف عملياتها العسكرية بشكل غير مسبوق وترفع من حدة التصريحات المطالبة «بضم» جزيرة تايوان للوطن الأم، غير عابئة بالاعتراض الأميركي. والصين بدأت في إعداد ثاني حاملة للطائرات وإدخالها الخدمة، وهي كانت قد اشترتها من أوكرانيا في حالة سيئة وتسعى لتطويرها وتحديثها، علماً بأن عدد حاملات الطائرات في الأسطول الأميركي يبلغ عشراً وجارٍ إضافة اثنتين للأسطول قريباً.
ولكن يبدو أيضاً أن القارة العجوز في أوروبا قد دخلت على الخط في ساحة المواجهة بين الصين وأميركا، فهناك قوى سياسية متنامية هدفها الخروج من الاتحاد الأوروبي (وهو كتلة فيها نفوذ اقتصادي للصين متزايد عبر استثمارات مهولة ومتنوعة)، ولعل ما حصل في بريطانيا منذ فترة وما يحصل مؤخراً في إيطاليا هو مؤشر أن هناك قوى تريد «إهلاك» قيمة الوجود الاقتصادي الصيني في أوروبا وإعادة غربلة الاتحاد الأوروبي.
قد تبدو في ظاهرها أنها حرب تجارية تقليدية (كما حصل قديماً مع اليابان) إلا أن الصين كحجم وثقل غير اليابان وكذلك في نظامها السياسي. أميركا تدرك تماماً أنها «تمسك» بالاحتياطي النقدي للصين مرتبطاً بسندات دولارية وأنها أكبر سوق للمنتج الصيني وأكبر مستثمر فيه وتدرك أن لديها تفوقاً تقنياً مهولا، ولكن الفجوة تضيق والحرب التجارية بينهما مفتوحة في أكثر من جهة وبضراوة واضحة.