ليونيد بيرشيدسكي
TT

السياسة الاقتصادية للحكومة الشعبوية الإيطالية تثير المخاوف

أشاعت اقتراحات السياسة الاقتصادية الصادرة عن الائتلاف الشعبوي الحاكم في إيطاليا حالة من الفزع في الأسواق، والتي زادت من عائدات الديون الحكومية. ومع ذلك، فإن شريكَي الائتلاف الحاكم، «الرابطة» و«حركة خمس نجوم»، ربما يكونان على وشك التقدم باقتراح فرض الضريبة الثابتة ذات الشقين.
واليوم، هناك خمس فئات من ضريبة الدخل في إيطاليا تتراوح نسبتها بين 23 و43 في المائة. ويقترح الائتلاف الحاكم تسوية هذه الفئات الضريبية إلى فئتين فقط، بمعدلات تبلغ 15 و20 في المائة. وعلى الورق، يهدد هذا التغيير بأن تواجه الحكومة خسارة كبيرة في الإيرادات. ومع ذلك، إنْ تعلمنا أي درس من التجربة الروسية والأوروبية الشرقية في هذا الصدد، يمكن أن ينتهي الأمر بإيطاليا إلى فرض المزيد من الضرائب، على الرغم من العائق المتمثل في تاريخ البلاد الطويل من الامتثال المتقطع والتنفيذ غير المكتمل.
وهناك مشكلة إيطالية كبيرة مع التهرب الضريبي. ووفقاً لدراسة أُعدت مؤخراً بواسطة أندريا ألباريا والشركاء المتعاونين في مكتب تقييم الآثار التابع لمجلس الشيوخ الإيطالي، فإن الشعب الإيطالي يتكاسل عن الإبلاغ عن دخل التوظيف بنسبة بلغت 3.5 في المائة، وعن دخل العمالة الذاتية بنسبة 39 في المائة، وعن إيرادات الإيجار بنسبة 65 في المائة. والفجوة الضريبية الإجمالية في إيطاليا تبلغ 16.5 مليار يورو (19.5 مليار دولار)، بواقع 38.6 مليار يورو على أساس سنوي. وهناك اقتصاد ظل إيطالي أكبر في حجمه من المتوسط الأوروبي –ما يصل إلى 19.8 في المائة من الناتج الاقتصادي، مقارنةً بنسبة 10.4 في المائة في ألمانيا، و9.4 في المائة في المملكة المتحدة، وذلك وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وأسفر الإصلاح الضريبي في روسيا، والتي ألغت نظام ضرائب الدخل المتدرج غير المدروس منذ أوائل تسعينات القرن الماضي مقابل المعدل الثابت بنسبة 13 نقطة مئوية، عن زيادة كبيرة في الإيرادات. وفي عام 2002، العام الذي تلا استحداث الضريبة الثابتة، حقق الاقتصاد الروسي نمواً بنسبة 5 نقاط مئوية كاملة بالقيمة الحقيقية، ولكن الإيرادات الضريبية ارتفعت بأكثر من 25 في المائة.
ولحقت أكثر من 20 دولة بخطى روسيا وأجرت تغييرات مماثلة على نظامها الضريبي، وعلى الرغم من أن بعض الدراسات الأخيرة قد طعنت في كفاءة هذه البرامج، فإن الضرائب الثابتة قد أحرزت نجاحات مستمرة. على سبيل المثال، شهدت بلغاريا، التي أدخلت نظام ضرائب الدخل الثابتة المنخفضة للغاية بواقع 10 في المائة اعتباراً من عام 2008، وقللت من النسب القائمة لأقل شريحة ممكنة، ارتفاعاً في الإيرادات الضريبية كنسبة من إجمالي الإيرادات الحكومية. وفي عام 2009، أي العام الذي أعقب استحداث ضريبة الدخل الثابت في بلغاريا، شكّلت إيرادات ضريبة الدخل نسبة 10.2 في المائة من إجمالي الإيرادات الضريبية مقارنةً بنسبة 9.4 في المائة في عام 2007، ولم تحقق سلوفاكيا أي زيادة تُذكر في الإيرادات عندما ألغت الحكومة اليسارية ضريبة الدخل الثابت وعادت إلى العمل بالنظام التدريجي.
وميزة الضريبة الثابتة المنخفضة في أن الناس يميلون إلى سدادها طواعية نظراً إلى أنها سهلة الفهم. وتستلزم النظم الضريبية المعقدة ذات الشرائح المتعددة والاستقطاعات الكثيرة طلب المعاونة من الخبراء المحترفين، والقليل من المواطنين الإيطاليين الذين يقدمون إقراراتهم الضريبية يمكنهم الحصول على مستشار ضريبي لمساعدتهم. وهذا من المثبطات القوية لعدم الإعلان عن مختلف أنواع الدخل. لكن قواعد ضريبة الدخل البسيطة هي أسهل على أرباب الأعمال الصغيرة والمتوسطة الذين يتعين عليهم اقتطاع ضرائب الدخل على رواتب الموظفين لديهم.
وبصرف النظر عن زيادة الإيرادات الحكومية (أو في بعض الأماكن، كان لها تأثير هامشي فقط)، أسفرت الضرائب الثابتة في أوروبا الشرقية عن آثار واضحة في مستويات المعيشة والرفاهية، مما أدى إلى زيادات ملحوظة في معدلات الاستهلاك. وهذا بدوره، من شأنه تعزيز الإيرادات الحكومية من ضرائب القيمة المضافة أو ضرائب المبيعات. وإيطاليا ليست خبيرة في تحصيل الضرائب على الاستهلاك: إذ تبلغ فجوة ضريبة القيمة المضافة نحو 25.8%، مما ينبغي على الحكومة تحصيله بالفعل، وهي على الطرف الأعلى بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. ويقل تحصيل الضرائب الإيطالية بنحو 35 مليار يورو في العام. ويتمثل التحدي الذي يواجه الحكومة الشعبوية في البلاد في تحسين الامتثال وتخصيص بعض من إيرادات الاستهلاك الناتجة عن الضريبة الثابتة.
ولقد حقق الشعبويون في أماكن أخرى، ولا سيما في هنغاريا (التي تفرض ضريبة الدخل الثابتة بواقع 15%)، وبولندا (التي تعتمد نظاماًَ أبسط بكثير من النظام المطبَّق في إيطاليا)، نجاحاً ملحوظاً في زيادة تحصيل ضرائب الاستهلاك. ولا بد عليهم أن يتحصلوا على المزيد من الإيرادات الضريبية نظراً إلى أنهم، مثل الائتلاف الشعبوي الإيطالي الحاكم، يميلون إلى الإعلان عن الوعود الاجتماعية الباهظة في الانتخابات. وهذه الوعود تبدو، مثل فكرة الحكومة الشعبوية البولندية الحالية التي طُبِّقت حديثاً من سداد المبالغ الكبيرة للعائلات من أجل تحسين التوزيع الديموغرافي في البلاد، غير قابلة للتحقيق للوهلة الأولى. ولكن توفير التمويل لها أصبح مسألة حياة أو موت بالمعنى السياسي بالنسبة إلى الشعبويين، كما أنها تحفّز الساسة لكي يأخذوا ضريبة الدخل الثابت على محمل الجدية.
ومنذ وصول رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوروبان إلى الحكم في البلاد عام 2010، تراجع عجز الميزانية في البلاد بواقع نقطتين مئويتين من الناتج المحلي الإجمالي من أصل 4.5 نقطة مئوية المسجلة سابقاً. وانخفض عجز الميزانية في بولندا بنسبة 2.6 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي عندما تولت الحكومة الشعبوية الحالية الحكم في البلاد، وكان يبلغ 1.7 نقطة مئوية، وهي أدنى نسبة مسجلة في حقبة ما بعد الشيوعية، في العام الماضي.
وقد يتحول الشعبويون الإيطاليون إلى انتهاج سياسة أقل منطقية أو أدنى مهارة من نظرائهم في أوروبا الشرقية. ومن المؤكد أنهم يتوقون إلى تحقيق طموحات اجتماعية كبرى من خلال التجربة المخطط لها من إيجاد الدخل الأساسي الثابت، وإدخال الحد الأدنى للأجور، وخفض سن التقاعد. ولكن ليس هناك من سبب حتى الآن على الأقل، يدعونا للافتراض أن إيطاليا سوف تكون عاجزة عن تنفيذ بعض ما نجحت بولندا وهنغاريا في تحقيقه بالفعل.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»