خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

مسؤول بلا بنطلون أو بنطلون بلا مسؤول

كثيراً ما واجه بعض المسؤولين عندنا شتى المطبات والمشاكل عندما يكونون من أصول ريفية ويرتقون إلى مناصب عليا في الدولة. لدينا حكايات طريفة في هذا المضمار. وكذا كان الأمر بين الغربيين. فظهرت عند العصر الحديث شتى مشاكل البروتوكول وأصول الرسميات. لم تكن هناك مشكلة في عصور الإقطاع والأرستقراطية عند الارتقاء إلى دست الحكم. كانوا كلهم متربين ومجهزين للحياة في قمة المجتمع. بيد أن هذا الوضع تغير كلياً في العصر الحديث. أصبح بإمكان كل من هب ودب الوصول إلى القمة دون أي إعداد تربوي لها من حيث السلوك والبروتوكول. لنا في الأنظمة الثورية أمثلة وحكايات طريفة كثيرة، لها مثلها في الغرب. عندما تسلم حزب العمال الحكم في بريطانيا في العشرينات، اضطروا للاستنجاد بالسيدة بياتريس ويب، الاشتراكية الأرستقراطية لتدربهم على السلوك الصحيح. تطوع حتى برنارد شو ليقدم لهم بعض النصائح في ذلك. قال لهم: عندما يأتونكم بالعشاء من سبعة أطباق فلا تأكلوا من كل طبق كما لو كان هو الطبق الوحيد الذي سيقدم لكم!
حدث مثل ذلك للرئيس الفرنسي إميل لوبه عندما تسلم رئاسة الجمهورية في 1899. وكان ابن فلاح وتحدر هو وزوجته من القرى الريفية الفقيرة. يروى أنه بعد انتخابه مباشرة، دعوهما كالعادة لمشاهدة حفلة سباق خيل كبرى في ميدان لوشان. وكالعادة أيضاً جلس بجانب السيدة الأولى رئيس جمعية تربية الخيول. وعندئذ مرت أمامهم مجموعة من فتيات باريس الحسان في أوج زينتهن وتبرجهن وأناقتهن، فعن لرئيس الجمعية من باب المجاملة أن يقول شيئاً للسيدة الأولى: «كيف تجدين التواليت؟».
التواليت من الكلمات المتعددة المعاني، فقد تعني الزينة وتسريحة الشعر وقد تعني أيضاً المراحيض. ولكن يظهر أن السيدة لوبه لم تفهم غير المعنى الأخير، فأجابته قائلة: «لم أستعمله بعد!».
زار الرئيس إميل لوبه بريطانيا في عهد الملك إدوارد السابع، واقتضى عليه بالطبع أن يحضر الحفلة الرسمية المهيبة في قصر بكنغهام احتفاء بالضيف الفرنسي. وكانت هناك في تلك الأيام تقاليد صارمة لمثل هذه الحفلات من حيث الزي والأكل وكل شيء. زار مدير التشريفات الرئيس لوبه ليطلعه على أوامر الملك في ذلك. ومنها نوع السروال الذي يتعين له لبسه. بيد أن الرئيس لوبه وجد التقليد الإنجليزي الملكي شاقاً عليه. فأصر على لبس سرواله اليومي الذي اعتاد عليه. ربما لم يكن لديه عندئذ سروال آخر فالتفت إلى مدير التشريفات وقال:
«سأقابل جلالته بسروالي الطويل المعتاد. وقل لجلالته بلساني إنه إما أن يرى رئيساً بلا بنطلون، أو بنطلوناً بلا رئيس!». الظاهر أن رئيس التشريفات نقل ذلك الكلام للملك، فما كان منه غير أن يغير تعليماته بشأن السراويل التي يلبسها الضيوف وكل الحاضرين! وهكذا انتصر البروتوكول الفرنسي على البروتوكول الإنجليزي المتزمت.