حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

محمد صلاح ومركب النقص العربي

لا أفهم «التحسس المفرط» لبعض المثقفين والإعلاميين العرب، تجاه سجدات الشكر التي يمارسها بعفوية لاعب ليفربول، المصري الدولي محمد صلاح، وكأنه الرياضي الأوحد الذي يمارس قناعة دينية تنفعه ولا تضر غيره! كما لا أستوعب نظراتهم المريبة تجاه لحيته وكأنه اللاعب الأوحد في الكون الذي يسمح لشعيرات طبيعية أن تنمو في مكانها الطبيعي، حتى أن زميلاً عربياً في إحدى كبريات الصحف العربية نصحه بـ«نيو لوك» وذلك بحلق لحيته.
الهزيمة النفسية ومركب النقص والتحسس المفرط، تجعل هذه الفئة العربية في موقف مثيرٍ للشفقة، فالجمهور البريطاني الذي يلعب «ولدنا» عندهم، هم أولى بهذا التحسس؛ حيث اختلاف العرق والدين، والإسلاموفوبيا، والأعمال الإرهابية التي نفذها إرهابيون متطرفون في عدد من المدن البريطانية وحتى الأوروبية، ومع ذلك لا أعرف - حسب علمي - أن موضوع لحية محمد صلاح أو سجداته أو تدينه، كان في الإعلام الجديد أو القديم مثار نقاش أو جدل. همهم منصب على السمفونيات العذبة التي يعزفها هذا الموهوب على نجيلة ملاعبهم العتيقة، ويتركون اللاعب ولحيته وسجداته وقناعاته الشخصية، للاعب وحده لا شريك له.
ثم إن هؤلاء العرب المتحسسين، يعرفون أن هناك لاعبين من دول الغرب والشرق يرسمون شارة الصليب الشهيرة حين يدخلون الملعب وحين يخرجون منه، وحين يسجلون أهدافاً وحين لا يسجلون، وحين يصيبون أو يصابون، مثل ميسي ومارادونا وغيرهما، وبعضهم ينزع قميصه ليكشف عبارة على صدره تقول: «أحب اليسوع». ولاعب كرة القدم العالمي ريكاردو خلع قميص نادي إيه سي ميلان بعد فوز فريقه، وأظهر قميصاً آخر كُتب عليه عبارة: «أنا أنتمي للمسيح»، وحارس كرة القدم الدولي أرتور بوروتس، حارس المرمى البولندي، هو أحد اللاعبين الكاثوليكيين الذين تميّزوا برسم إشارة الصّليب، حتى لقبوه «حارس المرمى المقدس»، كما يحمل عدد من أندية كرة القدم الغربية المرموقة إشارة الصليب أو رموزاً مسيحية: نادي برشلونة، ونادي إيه سي ميلان، ونادي جنوى، ونادي إشبيلية، ومع ذلك لم يلتفت لهذه الممارسات الدينية في الساحة الرياضية أحد، مع أن في الشعوب الغربية - ويعرف هذا كل من عاش بين ظهرانيهم واختلط بهم - شرائح كبيرة لا دينية أو مسيحية لا تكترث بالتطبيق، ولا تتحسس حتى تصيبها الحكة من الديانات والمتدينين.
كما يعرف بعض العرب المصابين بالعقد النفسية والتحسس المفرط، أن عدداً كبيراً من اللاعبين، قديمهم وجديدهم، ملتحون، مثل سقراط لاعب منتخب البرازيل الشهير، وأندريا بيرلو اللاعب الإيطالي الدولي، ولاعب فريقي إنتر ميلان وإي سي ميلان السابق، وتشافي ألونسو اللاعب الإسباني الدولي والقلب النابض لفريق ريال مدريد، وتيم هاورد حارس المرمي الأميركي الدولي، وغيرهم كثير، فما الذي يجعل اللحية مقبولة من هؤلاء اللاعبين الدوليين، تزيدهم ملاحة ووسامة، وتجعل من لحية لاعبنا الدولي غير ذلك؟ هي عقدة النقص وفرط التحسس وروح الإقصاء فقط.
وليس سراً أن بعض رموز المؤسسات الدينية العالمية يقفون وراء بعض اللاعبين العالميين المشهورين لغرض «الترويج» لدين معين، فالكنيسة تدعم بعض اللاعبين لإبراز رسمة الصليب الشهيرة؛ لأنها تصل إلى مئات الملايين ممن لا تستطيع أن تصل إليهم مئات المواعظ الكنسية؛ بل إن بعض الكنائس أسست عدداً من الأندية الرياضية الشهيرة، مثل نادي ساوثهامبتون، ونادي مانشستر سيتي، ونادي إيفرتون، ونادي سلتيك في اسكوتلندا، ناهيك عن الارتباط الوثيق الذي يجمع الكنيسة وكرة القدم في البرازيل، وبعض بني يعرب ضاق بشعيرات نبتت على خدي لاعب عربي دولي خلوق، لديه من الشعور أكثر من شعرات رأسه الكثة.