د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

ليبيا... حكومة و فاق وطني حقيقي

«حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي مجرد واجهة لتلك الميليشيات التي تحكم العاصمة بالفعل» هذا ما جاء في دراسة للمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمن الدولي (Stiftung Wissenschaft und Politik SWP) والتي تؤكد أن «الاستقرار» مبني على فهم خاطئ، وأن الميليشيات في طرابلس التي تحولت من مجرد ميليشيات إلى مافيا منظمة، تتحكم في مفاصل الدولة ومنها التحكم حتى في الاقتصاد عبر السيطرة على السوق الموازية للعملات الأجنبية من خلال شبكة علاقات مافيوية، حيث استطاعت السيطرة على الاعتمادات المستندية الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي، وبذلك تتحصل على الدولار بسعر الصرف الرسمي، ومن ثم بيعه في السوق الموازية بأسعار مضاعفة تصل أحياناً إلى ثمانية أضعاف، مما تسبب في حالة تضخم اقتصادي، وانهيار للعملة المحلية بشكل مريع.
رغم مضي سنتين على ولادة حكومة «الوفاق» أو حكومة الفرقاطة الإيطالية كما يسميها الليبيون، لكونها دخلت إلى طرابلس عبر فرقاطة إيطالية، وإن تسلمتها فرقاطة ليبية قرب الشاطئ في محاولة تضليل إعلامي، فإن الأمر لم يستتب لهذه الحكومة، نظراً لسيطرة الميليشيات على العاصمة، والتي لا تستطيع هذه الحكومة أن تعمل إزاءها أي شيء، كون هذه الميليشيات هي المسيطر أو الحاكم الفعلي للعاصمة. حكومة «الوفاق» التي لم تحظَ بأي درجة من درجات الوفاق أو التوافق الوطني، ورغم ضعفها وسيطرة الميليشيات عليها، لا يزال المجتمع الدولي بزعامة أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، يراهن عليها ويعترف بها رغم أنها وبشهادات ووقائع كثيرة أثبتت أنها تحولت لشبه واجهة سياسية للميليشيات المسيطرة في طرابلس، وعلى رأسها ميليشيات «الإسلام السياسي».
«حكومة الفرقاطة» لا يعترف شعب ليبيا بها، ولا يشعر بوجودها لفشلها حتى في مستوى الخدمات العامة من صحة وتعليم ومرافق، وفشلها حتى في احترام الرأي الآخر، فقد سبق أن تطاول الناطق باسمها وفي لقاء متلفز على كاتب وباحث سياسي ليبي يقيم في فرنسا، إذ هدّده بالاعتقال عبر الطلب من فرنسا لتسليمه لحكومته، ليثبت أنها حكومة معترف بها دولياً، وكأن الحكومة الفرنسية تعمل شرطياً أو سجاناً سياسيا عند الناطق باسم الحكومة التي يرفضها معظم الشعب الليبي، الذي سيصوت لطرد كل هؤلاء من أماكنهم إذا حدثت انتخابات نزيهة، وحتى لو زور الكثير من الأصوات فإنها ستخسر حتماً.
حكومة الوفاق الوطني الحقيقي ينبغي أن يختارها الشعب لا أن تُسلّط عليه من الخارج، لقد أصبحت هذه الحكومة مشكلة حقيقية لأنها لا تعبر عن إرادة الشعب، ولا يعترف بها البرلمان المنتخب ولم يمنحها الثقة، في حين يعترف بها الخمسة الكبار في مجلس الأمن في سابقة سياسية وكسر لإرادة شعب انتخب برلماناً ينصب عليه حكومة لم يخترها برلمانه المنتخب، ولا حتى منحها الثقة لتصبح أشبه بحكومة وصاية وانتداب محتل لبلد لا يزال وفق ميثاق الأمم المتحدة بلداً ذا سيادة.
ليبيا المنقسمة سياسيا تواجه خطر التقسيم الجغرافي، في ظل تقارير نشرتها المعارضة القطرية عن وجود مخطط شيطاني لنظام الحمدين في قطر لتقسيم ليبيا، لتقاسم ثرواتها مع شركاء قطر في تمويل الإرهاب وإشاعة الفوضى، وخاصة أنه سبق لصحيفة الغارديان التي تمتلك قطر أسهماً كبيرة فيها، أن نشرت «مشروع غوركا» لتقسيم ليبيا، وهو مشروع همس به مسؤول أميركي سابق مع وزراء أوروبيين لحثهم على تبني المشروع، الذي هو امتداد لمشروع الفوضى «الخلاقة» لتقسيم الشرق الأوسط، كما سبق أن نشرته صحيفة «واشنطن بوست».
ليبيا التي جاءت إثر ولادة عسيرة بعد مخاض حرب استقلال ضد المستعمرين لسنوات طويلة، وحرب أخرى على الإرهاب فرضت عليها، وقدمت فيها خيرة أبنائها، لن تكون لقمة سهلة لأي مشاريع دولية أو إقليمية، وسيرى حكام قطر في قادم الأيام مصيرهم الحتمي من أبناء هذا الوطن، الذي سيطالب المحكمة الدولية بمحاكمة هؤلاء الذين تسببوا في الفوضى والقتل في بلدهم، عن طريق الدعم اللامحدود بالسلاح والمال لتنظيمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.