باسكال غوبري
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

ماكرون... طريق ثالثة في سوريا

ربما تكون فرنسا والولايات المتحدة قد تعاونتا لضرب البنية التحتية للأسلحة الكيماوية، التي يمتلكها النظام السوري في 13 أبريل (نيسان)، لكن لكل منهما أهداف مختلفة. فبينما قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه يريد تقليص حجم الوجود الأميركي هناك، في حين زاد الرئيس الفرنسي ماكرون حجم الحضور الفرنسي في المنطقة. ويأمل ماكرون حالياً أن تساعد زيارته لواشنطن، التي تضمنت مراسم فخمة، في إقناع ترمب باتّباع طريقه.
ينبغي على ترمب الإصغاء. تشعر فرنسا بالقلق من أن يؤدي الانسحاب الأميركي من سوريا إلى تحويل ما تبقى من البلاد إلى دمية في أيدي إيران، أو ملاذ للعناصر المتطرفة من السنة أو كليهما معاً. قد ينذر ذلك بحمام دماء مع إجهاز بشار الأسد على أعدائه وهو أمر لا تراه فرنسا مقبولاً. الأهداف الرئيسية لفرنسا في سوريا، وهي إنهاء الصراع من خلال التفاوض بشكل يمنح جميع الأطراف نصيباً معقولاً من المشاركة في صناعة مستقبل البلاد، وإلحاق الهزيمة بالحركات الإرهابية، والدفع باتجاه تقديم الدعم الإنساني للمدنيين قدر الإمكان، هي الأهداف الصحيحة حقاً. مع ذلك وفي الوقت الذي تتردد فيها القيادة الأميركية في ما يتعلق بالخيارات المتاحة لها في سوريا، أبدى ماكرون نهجاً يجمع بين المرونة والصرامة لا يحقق المصالح الفرنسية فحسب بل يناسب ترمب أيضاً.
تشكل موقف ماكرون بعد فترة قصيرة من انتخابه رئيساً عندما قام بواقعية ذكية بتغيير سياسة فرنسا السابقة التي كانت تضع عزل بشار الأسد شرطاً لإجراء محادثات بشأن مستقبل البلاد. في الوقت ذاته رسم «خطاً أحمر» خاصاً به، حيث تعمد تكرار ما حذر منه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، لكنهما لم ينفّذاه. عندما أصبح من الواضح أن نظام الأسد قد تخطى كل الخطوط الحمراء والمحظورات، أعلن ماكرون عن رغبته في رؤية محاولات دولية لقصف البنية التحتية للأسلحة الكيماوية الخاصة بالأسد، لكنه أشار إلى أنه سيفعل ذلك وحده إن استدعى الأمر ذلك. لقد كان ترمب أيضاً تواقاً لاستعراض القوة بشكل يتناقض مع تكاسل أوباما وجموده. كان الباقي سهلاً، لكن ليست الأمور المقبلة يسيرة.
تم النظر في فرنسا إلى الهجمات بشكل إيجابي، فقد تمكنت من إلحاق الضرر بالبنية التحتية للأسلحة الكيماوية الخاصة بنظام الأسد، وإن لم تتمكن من تقويضها تماماً، وجعلت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أقام أنظمة دفاع جوي متطورة في المنطقة، يبدو ضعيفاً؛ كذلك عززت مصداقية فرنسا في المنطقة. قبل فترة قصيرة من الضربات، هاجمت تركيا العديد من مواقع جماعة مسلحة كردية مدعومة من قبل فرنسا، في اختبار واضح لعزم الرئيس الفرنسي الجديد، أكدت فرنسا مرة أخرى التزامها تجاه المنطقة، وتراجعت تركيا.
مع ذلك لا يقوم نهج ماكرون تجاه سوريا على القوة فحسب، فقد عملت فرنسا جاهدة لتصبح قوة محورية في الصراع السوري، وهي الطرف الوحيد تقريباً في الصراع الذي يستطيع كسب احترام وجذب انتباه الأطراف الأخرى كافة. تريد فرنسا أن ينظر العالم إليها كوسيط صادق أمين قادر على فرض الخطوط الحمراء، لكنه مدرك أيضاً للمصالح المعقدة المتشابكة للأطراف المختلفة. وتعد فرنسا من أكثر الدول نشاطاً في الأمم المتحدة في ما يتعلق بالشأن السوري. وفي الوقت الذي تحالفت فيه فرنسا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في التصدي للاستفزازات الروسية، تصرّ باستمرار على الحوار، وتمتنع عن أي خطاب يثير غضب موسكو. فقد أكّد ماكرون في حوار تلفزيوني تم إجراؤه بعد فترة قصيرة من الضربات تحدُّثه مع بوتين عدة مرات قبل الضربات وبعدها.
كذلك تعمل فرنسا جاهدة من أجل الإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني في الوقت الذي يعمل فيه ترمب على إلغائه، وتربط البلاد بنظام «البعث» في سوريا علاقة تمتد لعقود مضت. ولطالما كانت تركيا وإسرائيل شريكتين لفرنسا رغم الاختلافات الكثيرة مع الدولتين. كذلك تتمتع فرنسا بعلاقات قوية مع الكثير من دول الخليج السنة، حيث عقد ماكرون مؤخراً قمة ثنائية ناجحة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
تمت صياغة وتشكيل تلك المواقف كافة بحرص، مما يجعل فرنسا حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة في أي حل للصراع. لفرنسا مصالح حيوية في سوريا. فلتنظيم داعش، الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة حالياً، مقاتلون كُثر يريدون العودة إلى الديار، وإلحاق الضرر بها بمجرد هزيمتهم في سوريا، وتريد فرنسا ضمان ألا يتمكنوا من القيام بذلك.
يشعر ماكرون، وله حق في ذلك، بأن فرنسا غير قادرة على تحمل عبء الدفاع عن مصالح المجتمع الدولي وحدها. على الجانب الآخر، يتطلع ترمب، بوعي أو من دون وعي، إلى طريق ثالثة في سوريا لا تتمثل في ابتعاد كامل يجعله يبدو ضعيفاً، ولا في وجود كبير يتناقض مع توجهات سياسته الخارجية ويعلم أنه لن يحظى بشعبية، لذا ينبغي عليه أن يدع نظيره الفرنسي يتقدم المسيرة.

- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»