إيلي ليك
TT

فرصة ترمب وماكرون وميركل في الأزمة الإيرانية

أولئك الذين يريدون القضاء على الاتفاق النووي الإيراني، وأولئك الذين يبغون إصلاحه، قد يتغاضون سوياً عن وجود خيار ثالث قوي: ألا وهو إبقاء الاتفاق النووي طي النسيان.
ويعتبر 12 مايو (أيار) هو الميعاد النهائي المحدد للرئيس دونالد ترمب لاتخاذ القرار ما إذا كان سوف يجدد فرض العقوبات القاسية على إيران، والتي تم رفعها بموجب الاتفاق الذي كان يهدف إلى توفير الشفافية وفرض القيود المؤقتة على تطوير البرنامج النووي الإيراني.
ومن شأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ممارسة بعض الضغوط على الرئيس الأميركي بشأن الانتظار. ومن جانبه انطلق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى شبكة «سي بي إس» الإخبارية الأميركية للتهديد بأن إيران لديها خيارات «غير سارة» إذا ما جدد الرئيس ترمب فرض العقوبات. حتى جون أوليفر مذيع محطة «إتش بي أو» في أحد برامجها المتأخرة قد دخل على الخط؛ إذ سوف يخصص برنامجه الإعلانات على شبكة «فوكس» خلال الأسبوع الحالي لدعوة الرئيس الأميركي إلى الالتزام بالاتفاق النووي الذي أبرمه الرئيس السابق باراك أوباما. وكان مايك بومبيو وزير الخارجية قد صرح مؤخراً قبل تثبيته في منصبه من قبل الكونغرس، بأن خياره المفضل هو تعزيز، وليس إنهاء، الاتفاق النووي.
وهذا الاتفاق مهم من دون شك. غير أن هناك مسائل أخرى أكثر إلحاحاً من مصير الاتفاق النووي الإيراني - ومن بينها مصير النظام الحاكم في طهران. وينبغي لأي اعتبار يتعلق بإلغاء أو إبقاء الاتفاق النووي أن يشمل كيفية تأثير هذه الإجراءات على النظام الإيراني والمقاومة الإيرانية الداخلية المؤيدة للديمقراطية.
وهي من القصص السهلة التي يجب عدم تفويتها، ولكن منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما اندلعت الاحتجاجات في طول إيران وعرضها، واجهت الزمرة الحاكمة من رجال الدين في إيران سلسلة من الأزمات التي شكلت أبرز الأخطار وأكبرها على شرعية النظام الحاكم منذ اندلاع الثورة الإسلامية في البلاد في عام 1979.
ودعونا نبدأ بأزمة العملة. هناك بالفعل تهافت على المصارف الإيرانية. ولقد فقد الريال الإيراني ثلث قيمته الفعلية في عام 2018 الحالي في مقابل الدولار الأميركي. والدولار الأميركي الواحد يساوي نحو 60 ألف ريال إيراني في السوق السوداء الإيرانية اليوم. مع مقارنة ذلك عندما تسلم الرئيس حسن روحاني مقاليد الحكم في البلاد عام 2013 عندما كان الدولار الأميركي الواحد يساوي 36 ألف ريال إيراني فقط. ولقد كان ذلك قبل أن يعرض الرئيس السابق باراك أوباما أي تخفيف للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، وعندما كان الاحتياطي النقدي ينفد بوتيرة سريعة للغاية من بين أيادي الحكومة الإيرانية.
وهناك أيضاً الأزمة البيئية في إيران. وذكرت وكالة «رويترز» الإخبارية الشهر الماضي، أن الكثير من الاحتجاجات قد اندلعت في البلاد بسبب الجفاف المستمر والاستجابة الحكومية الفاشلة للتصدي لهذه الأزمة. وكان المزارعون الإيرانيون يُطردون من أراضيهم. وشرع النظام الحاكم في اعتقال نشطاء البيئة في البلاد. وتبث الدولة الإعلانات التجارية مدفوعة الأجر التي تحث المواطنين على ترشيد استهلاك مياه الشرب.
وأخيراً، هناك أزمة في السياسة الخارجية. فقد كانت إحدى محفزات الجولة الأولى من الاحتجاجات الإيرانية في ديسمبر ويناير (كانون الثاني) الماضيين تسريباً للميزانية الرسمية في إيران، والتي أظهرت أن مليارات الدولارات قد تم تخصيصها لصالح الجيش الإيراني والحرس الثوري، الذي يباشر شن الحروب الدموية في سوريا واليمن، في حين أن معدلات البطالة الإيرانية بين الشباب مستمرة في الارتفاع والتفاقم. وذلك هو السبب في أن الكثير من المتظاهرين يرفعون اليوم شعارات تحض إيران على التركيز على مشكلاتها الداخلية بدلاً من زرع الاضطرابات والقلاقل في الخارج.
كل هذه العوامل أثارت نيران الاحتجاجات التي بدأت قبل خمسة أشهر تقريباً في إيران. كما أنها تفسر أيضاً سبب عجز النظام الحاكم في إيران عن تهدئة الاحتجاجات على نحو ما صنع في عام 2009، في أعقاب الانتخابات الرئاسية المزورة هناك، من خلال اعتقال النخبة الحضرية التي خرجت إلى الشوارع للاحتجاج، ثم اختفائها تماماً.
ولكن هذه المرة اندلعت الاحتجاجات بين مختلف طبقات وشرائح المجتمع الإيراني. ويشير علي رضا نادر، الخبير السابق في الشأن الإيراني لدى مؤسسة «راند»، إلى أن بعض المطلعين السابقين على مجريات الأمور مثل الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد يتوقعون انهيار النظام الحاكم الحالي في إيران. وأسفر صراعه الانتخابي في عام 2009 عن انفجار الانتفاضة الإيرانية قبل الأخيرة.
ولقد ترجم رضا نادر، عبر حسابه في «تويتر»، الأسبوع الماضي كلمات محمود أحمدي نجاد إلى أنصاره والتي سجلتها الخدمة الفارسية في هيئة الإذاعة البريطانية في اجتماع حاشد مؤخراً. وقال إن النظام الحالي يتصرف كما لو أنهم باقون في الحكم إلى الأبد. ليس لديهم فكرة عما يحدث من حولهم، ولا أرض راسخة تحت أقدامهم. والأحداث الجارية في إيران سوف تغير وجه العالم بأسره قريباً.
ولقد أخبرني رضا نادر هذا الأسبوع أنه لا يعتقد أن محمود أحمدي نجاد قد تغيرت معتقداته. بدلاً من ذلك، يتخذ لنفسه موضعاً جديداً لأنه يعلم تماماً أنه سوف تندلع اضطرابات عارمة وهو لا يريد أن يكون الرجل الذي يذهب كبش فداء الأحداث.
وهو ليس بمفرده في ذلك؛ إذ كتبت جينيف عبده إلى وكالة «بلومبيرغ» الإخبارية الشهر الماضي تقول إن هناك نقاشاً مهماً واعتراضاً قوياً على اعتقال آية الله حسين شيرازي، الملا البارز الذي تحدى السلطة المطلقة للمرشد الإيراني علي خامنئي. وكما ذكرت في مقال آخر الشهر الحالي، أن المحامية الإيرانية في مجال حقوق الإنسان، شيرين عبادي، التي فازت بجائزة نوبل، تدعو إلى جانب نشطاء آخرين إلى تغيير أصلي في نظام إيران الحاكم من خلال الاستفتاء الشعبي الذي يخضع لمراقبة الأمم المتحدة، والذي من شأنه أن يقضي على منصب المرشد الأعلى تماماً.
- بالاتفاق مع «بلومبيرغ»