كاترينا فاندن هوفيل
TT

على أوباما الاهتمام بالاقتصاد ليس إلا

في الوقت الذي تهب فيه عواصف العراق (مجددا)، وتتصاعد التوترات في أوكرانيا وفي بحر الصين الجنوبي، يتركز معظم النقاش الأميركي على التدخل العسكري. فلم يتعلم المحافظون الجدد شيئا من الكارثة التي خلقوها في العراق، ويتهمون الرئيس لعدم تدخله في سوريا ولتجاهله العراق. ولم يتعلم مؤيدو التدخل من الليبراليين شيئا من الكوارث التي تنزل حاليا في ليبيا، حين يطالبون بالقصف الضمني لكليهما. وترسل الإدارة المحاصرة حاليا الطائرات إلى دول البلطيق وبولندا، وترسل السفن الحربية إلى آسيا، وبعضا من القوات الرمزية إلى بغداد، وتعمل على دعم المئات من القواعد حول العالم ولا تزال تعاني من الاتهامات بالانسحاب من المسرح العالمي. ويستشيط المعلقون غضبا حول ما إذا كان الشعب الأميركي المتعب من الحروب سيجعل الأمة التي لا غنى عنها تقوم بما يجب عليها القيام به.
عندما تمسك بالمطرقة، كما يقول المثل، يبدو كل شيء وكأنه مسمار. ومطرقة الولايات المتحدة هي الآلة العسكرية الأكثر تطورا على مستوى العالم - وتبدو المسامير في أماكن لا حصر لها على خريطة العالم.
ويغيب تقريبا عن ساحة النقاش الوعي حول أن مدى التزام الولايات المتحدة بحفظ الأمن العالمي ينتقص من معالجة الاحتياجات الأمنية الحقيقية للناس وللعالم. وفي الأسبوع الماضي، خرج ريتشارد ترومكا، رئيس الاتحاد الأميركي للعمل ومؤتمر المؤسسات الصناعية بتصريح قصير ذكرنا بما فقدناه من خلال سياسة فرض القوة.
كما ذكر ترومكا، لا يزال العالم يحاول التعافي من أسوأ أزمة اقتصادية ألمت به منذ الكساد العظيم. وقد انتقل البنك المركزي الأوروبي لتوه إلى أسعار الفائدة السلبية وسط حالة من الذعر حول الانكماش – هبوط الأسعار جراء الطلب الفاشل – الذي يسود القارة الأوروبية. ويدين التقشف الأوروبي جيلا من البطالة واليأس.
وفي الولايات المتحدة، استغرق الأمر ست سنوات لاستعادة الوظائف المفقودة خلال فترة الركود الاقتصادي. ولا يزال ما يقرب من 20 مليون نسمة لا يمكنهم العثور على وظائف بدوام كامل حتى الآن. ويحيط الركود أو التراجع بالدخل الأسري بالنسبة للعائلات النموذجية، ولا تواكب الأجور التكاليف الضرورية، ولا يعمل الاقتصاد العالمي إلا لصالح القلة الذين يتمتعون بثروات تفوق الخيال وليس لصالح الشعوب. وتقول إليزابيث وارين إنه قد جرى تكسير القواعد. وجرى تكسير السياسات التجارية وسياسات الضرائب، والسياسات المالية، والتقشف المالي وقوانين العمل والتوظيف لأجل الحفاظ على انخفاض الأجور.
وكانت النتيجة، كما يزعم ترومكا، هي اقتصاد عالمي هشّ وغير مستقر إذ يعدّ الانكماش أو ما هو أسوأ منه التهديد الدائم، ولا نرى النمو إلا في الفقاعات المالية. وتزدهر مجموعات الصفوة ويعتقدون أنهم يمكنهم الاستمرار كما كان الوضع من قبل. وتهرب الشركات أرباحها إلى الخارج في نفس الوقت الذي تضغط فيه للحصول على الإعفاء الضريبي. في ذات الأثناء، فإن التغيرات المناخية الكارثية، والتي تعترف وزارة الدفاع الأميركية بأنها واضحة ومتصاعدة، تغدو من دون معالجة، في حين لا ينصب تركيز العالم على الاقتصاد الكسير، بل على انتشار العنف والسلطوية التي في جزء كبير منها، جاءت نتيجة للمشكلات الاقتصادية.
وتثور السخرية من الرئيس أوباما لمحاولته المعقولة أن يضع حدا لحربين قائمتين ولتردده الدخول في حروب جديدة. غير أن فشله الحقيقي كان في عدم القدرة أو عدم الرغبة في الدخول في اتفاق عالمي جديد، وإرساء قواعد جديدة للاقتصاد العالمي، والقواعد التي من شأنها خلق الرخاء المشترك والمجتمع بدلا من أجواء عدم المساواة والنخبة الثرية للعصر الذهبي.
ويتطلب ذلك سياسات للتجارة العالمية التي تحمي حقوق العمال والبيئة وليس فقط حقوق المستثمرين. وقد يتطلب إيقاف الاختلال التجاري الشديد، وخصوصا الحد من الممارسات التجارية الألمانية والصينية. وقد يتطلب الالتزام تجاه العمالة الكاملة هنا، المدفوعة بالاستثمارات العامة الحيوية في المجالات المهمة للمجتمع المناسب – من الصرف الصحي والجسور إلى المدارس والطاقة المستدامة. وقد يتطلب كذلك تعزيز الثورة الصناعية الخضراء حتى يستمر النمو وتوفير فرص العمل.
خلال سنوات حكم كلينتون، ذكر أن مادلين أولبرايت، التي صارت سفيرة للأمم المتحدة، قد تحدت كولن باول في مناقشة حول إمكانية قصف سوريا: «ما الفائدة من وجود هذه القوة العسكرية الرائعة التي نتحدث عنها، إذا لم نتمكن من استخدامها؟» مسلحين بمطرقتنا، يمكننا مطاردة الإرهابيين بالطائرات من دون طيار، وتتبع القوات بالأقمار الصناعية، ومراقبة الهواتف في جميع أرجاء العالم، كيف يمكننا تجنب الدق على كل المسامير التي نكتشفها؟
إن ما نحتاج حقا هو تجاهل محاربي الكراسي الفاخرة وجماعات الضغط العسكري. وتركيز الانتباه على الاقتصاد العالمي المنهار بصورة أساسية، والتركيز على القواعد التي تكسرت بشكل مريع. يتعين علينا التركز على بناء اقتصاد مستدام وتقاسم النمو – وليس فقط التشارك في حفظ الأمن بالعالم والذي سوف يزداد عجم استقراره وعنفه في ظل الظروف الراهنة.
إن الدول الكبرى لا تنهار، لأنها تتناسى ما يجعلها دولا عظمى. بل تنهار لاستمرارهم في فعل ما يفعلونه دائما، تجاهل حقيقة تغير العالم. إن العوام يفهمون مصطلح «الأمة التي لا غنى عنها» بطريقة خاطئة. إن القوة العسكرية القوية تكون في أفضل حالاتها حين لا يتحتم استخدامها، مما يتيح لقادتنا التركيز على التهديدات الحقيقية لأمننا. والمؤسسة العسكرية، بكل قوتها، لا يمكنها معالجة الأخطار المتنامية التي يشكلها الاقتصاد العالمي المنهار والتغيرات المناخية الكارثية.
* خدمة «واشنطن بوست»