محمد رُضا
صحافي متخصص في السينما
TT

البدايات الأولى لغريفيث

في عام 1907 تقدّم ديفيد وورك غريفيث لشركة توماس أديسون بسيناريو لفيلم. حينها كان غريفيث يحاول البحث عن عمل في مدينة نيويورك التي نزح إليها من مدينة لويزفيل في ولاية كنتاكي. استقبله المخرج والمنتج ومدير التصوير إدوين بورتر (مجموع أفلامه 450) الذي كان حقق، سنة 1903، أول فيلم أميركي لافت وذي مكانة تاريخية مميّزة وهو «سرقة القطار العظيمة». لم يُعجب بورتر بالنص الذي تقدّم به غريفيث لكن عوض أن يصرفه عرض عليه التمثيل في فيلم كان الاستديو على أهبة تصويره في مطلع سنة 1908 وهو «تم إنقاذه من عش الصقر» للمخرج ج. سيرل داولي.
كان غريفيث كتب ومثل في مطلع العام ذاته في «عندما كانت الفروسية وروداً» الذي كتبه بنفسه. خلال السنة ذاتها (1908) كتب ومثل (معاً أو على نحو منفصل) 26 فيلماً قبل أن يتولّى تحقيق أول فيلم له كمخرج وعنوانه «مغامرات دوللي». به توقف عن التمثيل وإن استمر في كتابة العديد من أفلامه.
هذا الفيلم الأول كان عن أخيار وأشرار حيث يحدث أن الأخيار بيض والأشرار من الغجر ما يضع هذا الفيلم كبداية تعاطي غريفيث مع الأعراق غير البيضاء. وذلك أنه قبل سبع سنوات من إنجازه فيلمه العنصري المدوّي «مولد أمّة» وبعد أن مرّ على موضوعات متعددة في تعاملها مع مكوّنات الحياة الأميركية.
«مغامرات دولي» كان عن عائلة بيضاء تقوم عصابة من الغجر بخداع الأب الطبيب بمكالمة هاتفية تطلبه لنجدة مريض مزعوم. حال خروجه تقوم العصابة بخطف طفله لكن الطبيب يعود قبل فوات الأوان وينقذ طفله منها. «معهد الفيلم البريطاني» يكشف أن الفكرة المعروضة لم تكن جديدة إذ قام البريطاني ألف كولينز بتحقيق فيلم مشابه قبل أربع سنوات بعنوان «خاطفو الطفل».
بعد فيلمه الأول عرفت أعمال غريفيث هذا التداول بين الأعراق والشعوب لكن ليس من الإنصاف اعتبار أن معاملته لها كانت معادية. أبرز إيجابياته على هذا الصعيد كان إظهار الوجه الناصع للقبائل الهندية (المواطنون الأصليون) كما فعل في «الرجل الأحمر والطفل» و«من منظور الرجل الأحمر» حيث ذهب هنا إلى حد إظهار البيض كقتلة ولصوص يغزون قرية هندية ويتسببون في تشريد أهلها.
لديه موقف مقبول من المكسيكيين بدءاً بفيلم «قتال لأجل الحرية» وفي المقابل تصوير نمطي لليهودي في «شرف اللصوص» وتصوير تم تعديله في «غرام يهودية». ولديه فيلم عن هندي (من الهند) يقتل الأبرياء بخنجره. لكن السود بقوا خارج دائرة اكتراثه المباشر إلى أن قام سنة 1915 بتحقيق فيلمه «مولد أمّـة». قبله كانت تطرقاته إلى الأفرو - أميركيين محدودة وبلون باهت غالباً باستثناء ما ورد في «قلب زولو» (1909).
لم يتطرق غريفيث دائماً للأقليات العنصرية إلا جزئياً. معظم أفلامه كانت بيضاء - بيضاء. وهو لم يتوار عن كشف عيوب رآها في المجتمع الأميركي (الأبيض) ذاته. أحد أهمها «زاوية في القمح» A Corner in Wheat الذي حققه سنة 1909 وتعرض فيه إلى البنية الاقتصادية التي تقسم المجتمع الأميركي إلى فقراء وأغنياء وكيف يدفع الفقراء ثمن جشع الأثرياء.