خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

الملعب والمعبد

ما من فسحة تلعب فيها يد القدر أدواراً عجيبة كملاعب كرة القدم. وما من أشخاص يشعرون بذلك تماماً كاللاعبين أنفسهم. وأنا كعاشق ومتابع حريص لمباريات كرة القدم لاحظت مراراً هذه الظاهرة. حالما يدخل اللاعبون الساحة تغمرهم أمزاج ميتافيزيقية تذكرهم بأنهم الآن دمى في يد القدر. تجد المسيحيين منهم يرسمون الصليب على صدورهم، وتجد المسلمين يكورون أيديهم ويوجهونها إلى الأعلى، نحو السماء، نحو الخالق. وإذا حدقت النظر ربما تلاحظهم يتمتمون بشفاههم. وعندما يفلح الواحد منهم في تسجيل هدف فريد، تراه يرفع يديه إلى السماء شاكراً. وقد لاحظت بعض اللاعبين المسلمين يسجدون على الأرض بالشكر والحمد لله. هكذا يفعل هذا اللاعب المبدع المصري محمد صلاح، النجم الساطع لفريق ليفربول. يخر فوراً إلى الأرض بخشوع ساجداً ليشكر ربه.
مهما كان اللاعب مبدعاً ومقتدراً حاز النجومية عالمياً، فإنه يجد نفسه على الساحة في يد القدر. كم وكم يخطئ بما لا يستطيع تفسيره. يجد الضربة نفسها تصيب الهدف، وتخطئ الهدف في ضربة مشابهة تماماً.
ذِكرُ هذا اللاعب المصري البارع يجرني للحديث عنه. إنه الآن في بريطانيا أعلى لاعب في جدول مسجلي الأهداف. الويل لمن يتحدى هجماته. إنه لا يخفي إيمانه العميق بالدين الإسلامي، وهو يصرح بذلك بفخر وباستمرار. لا أدري كم أثرت فيه لعبة الكرة بحيث عمقت فيه هذا الشعور بأنه هو، وكما نحن جميعاً، وفي آخر المطاف مجرد أداة قي يد القدر، يد الخالق سبحانه وتعالى.
وكما قلت إنه لا يخفي قوة إيمانه الديني وتأثير إيمانه هذا على لعبه ونجوميته. طالما تردد ذلك في وسائل الإعلام. وكان مما سمعته أن بعض جموع الشباب في منطقة ليفربول، مدينة فريقه، أخذت تلتف حول شخصيته بحيث أعرب بعضهم عن رغبتهم فعلاً في اعتناق الإسلام. ولسان حالهم يقول إذا كان هذا الدين يعطي المرء هذه الموهبة والقدرة، فلم لا نهتدي بهدايته وننعم؟
هذه نقطة لا بد أن تجرنا لهذا الطرح. كرة القدم والرياضة عموماً، ومعها الموسيقى والفنون والعلوم هي أجزاء من لحمة هذه الحضارة العالمية. الإبداع فيها يبهر الغربيين وسواهم من الناس ويجرهم إلى حسن تقديرهم للمبدعين فيها. أرجو ألا أبالغ إذا قلت إن كل هدف يسجله برجله محمد صلاح خير من الكثير مما نكتبه دفاعاً عن الإسلام.
ولا شك في أنه خير من كل هذه الأعمال الإرهابية التي يقترفها البعض باسم الإسلام. لم لا يفكر هؤلاء الإرهابيون الزعران بأن أمامهم ساحات مديدة من الأنشطة التي تجلب لهم ولذويهم المسرة والمتعة وتخدم دينهم وإيمانهم وترفع شأن قومهم وبلادهم؟ محمد صلاح شاب قوي الإيمان بدينه. كرس وقته وتفكيره للإبداع في هواية وحرفة خدمته وخدمت ذويه وبلاده، وأمتعتنا جميعاً، وهزت مشاعرنا، وكله بدلاً من أن يحمل قنبلة انتحارية يفجرها ويقتل نفسه بها وعشرات السياح والمواطنين في الأقصر؟