مهجرو الغوطة تركوا ذكرياتهم... وذهبوا إلى المجهول في إدلب

{الشرق الأوسط} تستطلع أوضاع معارضين نزحوا إلى شمال سوريا

مدنيون ومقاتلون معارضون في قلعة المضيق قبل انتقالهم إلى إدلب أول من أمس (أ.ف.ب)
مدنيون ومقاتلون معارضون في قلعة المضيق قبل انتقالهم إلى إدلب أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

مهجرو الغوطة تركوا ذكرياتهم... وذهبوا إلى المجهول في إدلب

مدنيون ومقاتلون معارضون في قلعة المضيق قبل انتقالهم إلى إدلب أول من أمس (أ.ف.ب)
مدنيون ومقاتلون معارضون في قلعة المضيق قبل انتقالهم إلى إدلب أول من أمس (أ.ف.ب)

لم يتوقع عدد من آلاف المهجرين الذين تركوا في الأيام الماضية بيوتهم في الغوطة الشرقية التي حاصرتها قوات النظام السوري لسنوات أن يخرجوا على قيد الحياة إلى ريف محافظة إدلب شمال غربي البلاد.
وكان ريف إدلب المحطة الرئيسية لمعظم من تم تهجيرهم خلال الأشهر الماضية ضمن إطار اتفاقات بين مجموعات المعارضة من طرف والنظام وإيران وروسيا من طرف آخر، بحسب نشطاء معارضين.
لكن هؤلاء لم يفكروا لوهلة في أن يحنوا لذلك الحصار القاتل ذلك نظرا لما آلت إليه أوضاعهم من تشريد وخيبة مع تراجع اهتمام المنظمات الدولية، حيث لم تستطع أن تقدم لهم أكثر من خيمة أو غرفة صغيرة في مركز إيواء ليس أصلاً إلا مدرسة تحولت صفوفها إلى قاعات يحتمي فيها آلاف المهجرين.
ورغم التهجير القسري الذي حمل الأهالي إلى الشمال السوري فضل بعض أهالي الغوطة الشرقية الذهاب إلى مناطق سيطرة قوات النظام السوري داخل العاصمة دمشق، حيث أفادت موسكو بأن عدد الذين نزحوا إلى مناطق النظام بلغ 114 ألف مدني.
في المقابل، تقدر أعداد الذين خرجوا باتجاه إدلب بحوالي 15 ألف شخص، بينهم مقاتلون ومدنيون من الغوطة الشرقية وصلوا إلى الشمال عبر ترحيلهم بالباصات الخضراء. رامي طه عضو المجلس المحلي في حرستا يقول لـ«الشرق الأوسط» في ريف إدلب: «تعرضت غوطة دمشق الشرقية منذ مطلع فبراير (شباط) لهجوم عنيف جداً فيما يبدو محاولة من النظام وحلفائه لاقتحامها والسيطرة عليها عبر الاستهداف الناري الكثيف للحاضنة الشعبية من أجل الضغط على الفصائل المعارضة حتى تقبل بالخروج منها، وقد أدى القصف الجوي والمدفعي إلى سقوط أكثر من 1000 قتيل أكثرهم من الأطفال والنساء».
منذ نحو ست سنوات يعاني أبو وائل وعائلته من ويلات الحرب في سوريا مرغمين على الترحال الدائم وبسبب المعارك المستمرة والحصار لم تجد هذه الأسرة إلا مكاناً داخل الغوطة الشرقية. ويقول الرجل ذو السبعين عاماً لـ«الشرق الأوسط»: «كلما استقررنا في منطقة لا تمر سنة إلا وتأتينا البراميل والقصف فنتوجه إلى مكان ثاني في المرة الرابعة اضطررنا للخروج من دير العصافير باتجاه عربين في الغوطة الشرقية». ويضيف: «هذه المرة اتجهنا في رحلة نزوح وتهجير ربما تكون طويلة وطويلة جداً إلى أين لا نعرف ليس أمامنا سوى المجهول».
أبو وائل بين 400 ألف مدني وفق الأمم المتحدة كانوا في الغوطة الشرقية حيث شنت قوات النظام بدعم روسي هجوماً مكنها من السيطرة على عشرات القرى والبلدات.
من جهتها، تقول لينا الأبجر لـ«الشرق الأوسط»: «تركنا كل شيء خلفنا راح منزل عائلتي وأشجاري وعمري كله لم أحمل سوى الثياب التي أرتديها لكن رغم ذلك سنعود إليها مجدداً ولن يثنينا التهجير عن العودة إلى بيتي وأرضي».

اكتظاظ في إدلب
وبحسب تقديرات عدة، تضم محافظة إدلب 3.6 مليون نسمة بينهم 1.1 مليون نازح من مناطق أخرى. وهناك من يقدر عدد السكان في إدلب بحوالي 2.5 مليون. وشكلت المحافظة خلال السنوات القليلة الماضية وجهة أساسية لمقاتلين معارضين ومدنيين تم إخلاؤهم من مناطقهم بموجب اتفاقات مع قوات النظام.
أما أبو محمد فيقول: «هذا اليوم كأنه تاريخ ميلاد لكنه تاريخ بكاء ودم... أثناء جلوسك في الحافلة تفقد التركيز لا تستطيع الكلام وأنت ترى بلدك خلفك ولا تعرف أين ستعيش». ويوضح الرجل المعاق على كرسيه المتحرك: «في الفترة الأخيرة بدأت المعارك والقصف وتقدم الجيش على الثوار وبدأت الناس تخرج نساءها وأطفالها من ملجأ لآخر لكن لا مكان آمناً في الغوطة، فقد سقط صاروخان وبراميل قربنا أكثر من مرة... خفت على الأولاد كثيراً إلا أننا والحمد لله لم نصب بأي أذى».
قبل ثلاثة أسابيع من بدء الحملة على الغوطة الشرقية تزوج وسيم وجلنار اللذان كانا يقيمان في مدينة عربين وخرجا مع الآلاف من سكانها بموجب اتفاق إجلاء بين الحكومة والفصائل المقاتلة. وخلال أقل من شهر وجد الزوجان نفسيهما مضطرين للنزوح خمس مرات من منزل إلى آخر داخل الغوطة الشرقية إلى أن استقرا أخيراً في ريف إدلب.
لم يبق لدى جلنار الكثير من الذكريات من مدينتهما عربين سوى قبعة حاكتها وبعض الكتب.
وتتذكر أنه قبل خروجهما من الغوطة ذهبت في آخر الأمر في جولة مع زوجها وسيم وتقول: «سرنا بين أرجاء مدينتنا المهدمة وكانت كلها على الأرض والتقطنا بعض الصور». وتضيف جلنار: «تركنا خلفنا ذكرى كتبناها على الجدار وإذا عدنا أتمنى أن نجدها».
أبو سعيد من حرستا يقول: «لم يستوعب حتى الساعة ما ستكون عليه حياته الجديدة التي فرضت عليه فرضاً لاضطراره إلى مغادرة مدينته خوفاً من ملاحقته من قبل قوات النظام بعد دخولها»، قبل أن يتحدث عن «خيبة وأوضاع صعبة للغاية يرزح تحتها كما كل أهالي حرستا الذين وصلوا إلى مدينة إدلب وريفها»، حيث يعيش حالياً وعائلته لدى أحد أصدقائه القدامى. ولفت إلى تضخم سكاني في المنطقة إلى حد أنه لم يعد هناك حتى منازل للإيجار. ويضيف: «حتى لو أردنا أن ندفع إيجار منزل ما فذلك غير متوفر والأسعار مرتفعة للغاية».
وانتقد أبو سعيد عمل الجمعيات الإنسانية التي لا تقوم إلا بتسجيل آلاف الأسماء لتعطي بالنهاية مساعدات لـ20 شخصاً وترحل. وتطرق لأحوال المهجرين الذين وصلوا إلى محافظة إدلب، قائلا إن القسم الأكبر منهم يعيش حالياً في خيم تم نصبها على الحدود السورية - التركية أو في مدارس حولت إلى مراكز إيواء في مدينة إدلب ومناطق ريفها. ويتابع: «هناك نحو مليون مهجر تستضيفهم محافظة إدلب التي ضاقت بهم وبأبنائها».
يقيم مروان مع عائلته في الغوطة منذ أن خرج من حمص وكانت الغوطة ليست محاصرة. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن حواراً دار بينه وزوجته عندما وقفا أمام حافلات نقل المهجرين من حرستا. ويضيف: «شاركنا أهالي الغوطة الألم والجوع والموت وقليلاً من الفرح لكن الألم في الخروج كان أكبر».
وليد ناشط من أهالي الغوطة من حرستا خرج إلى الشمال السوري و«السبب يعود لأنه يعيش وحيداً لم يبق أحد من عائلتي وأقاربي ولا سبب لبقائي بعد هدر المقدرات والأنفس في الاقتتال المتكرر بين الفصائل التي كانت سبباً رئيسياً لسقوط الجبهات».

منع الطعام
أما المقاتل محمود وهو أب لأربعة أطفال، فيقول إنهم يقيمون في تركيا وأخرجهم قبل حصار الغوطة بفترة وجيزة مع أهله لكن «فضل الخروج إلى إدلب واللحاق بعائلته وإعالتهم»، معتبراً أن ذلك «أوجب من بقائي في أرض الفسطاط التي دمرها قادة دون إنكار دور المقاتلين الأبطال على الجبهات».
من جهته، يقول الناشط حسام الجندي إن النظام السوري «كان خلال السنوات الماضية يقتل أطفال الغوطة المحاصرة بالصواريخ والقذائف وما زال والآن يقتلهم عبر منع الطعام عنهم»، مشيراً إلى أن النظام «أغلق كل المعابر باتجاه الغوطة». ويضيف أن الأسعار «ارتفعت بشكل خيالي، حيث بلغ سعر الكيلوغرام من السكر على سبيل المثال 5 آلاف و700 ليرةـ أي ما يعادل 11 دولاراً أميركياً». ويشير إلى أن استهداف النظام لمستودعات الأدوية ومنع دخول أدوية جديدة للمنطقة أسهما في نفاد شبه كامل للأدوية فيها.
تقع الغوطة الشرقية كما يدل اسمها على ذلك في شرق مدينة دمشق، وسميت بهذا الاسم لأنها عبارة عن بساتين غناء من أشجار مثمرة تحيط بمدينة دمشق، وقد كانت تشكل تاريخياً جزءاً من حزامها الأخضر إلى جانب الغوطة الغربية وسلة غذائها الرئيسية وتبلغ مساحتها نحو 110 كيلومترات مربعة وتضم مجموعة من المدن والبلدات أكبرها دوما التي تعد عاصمة إدارية للمنطقة وحرستا وغيرها من المدن والبلدات التي يصل عددها إلى عشرين مدينة أو بلدة. ويعمل معظم أهلها وقد كان يبلغ عددهم قبل الثورة أكثر من مليوني نسمة في الزراعة.
اشتهرت غوطة دمشق بمقاومتها الشديدة للاحتلال الفرنسي، وبالنظر إلى كونها غطاء أخضر متصلاً بالبادية مثلت ملجأ آمناً للثوار على مر العصور، كانت غوطة دمشق من أوائل المناطق التي ثارت على النظام في مارس (آذار) 2011 بسبب الظلم الذي لحق بها من سياساته الزراعية وتمليك الأراضي لمشاريع رجالات النظام واتباع سياسة الاستيراد لبضائع تنتج فيها مثل الأثاث وغيرها. وبحسب معارضين، سيطرت عليها المعارضة بداية عام 2013، وهي تخضع منذ ذلك الوقت لحصار شديد من طرف قوات النظام لقد حاول النظام اقتحامها من محاور مختلفة أكثر من مرة خلال السنوات الخمس الماضية لكن كل محاولاته باءت بالفشل، يعيش في الغوطة بحسب أكثر التقديرات نحو 400 ألف نسمة رفضوا الخروج من أراضيهم وبيوتهم على الرغم من إجراءات الحصار التي أوصلتهم في بعض الأوقات إلى حافة الجوع.
كانت الغوطة الشرقية تمثل إحدى مناطق خفض التصعيد الأربع الرئيسة إلى جانب إدلب وريف حمص الشمالي ومنطقة جنوب سوريا الغربي (درعا والقنيطرة) التي نشأت نتيجة اتفاق روسي - تركي فتح الباب أمام ظهور مسار أستانة بعد سقوط الجزء الشرقي من مدينة حلب بيد روسيا وحلفائها في ديسمبر (كانون الأول) 2016، وقد تم التوصل إلى تفاصيل شمول الغوطة بنظام الهدنة في اتفاق وقعته روسيا بوساطة مصرية في القاهرة في يوليو (تموز) 2017 مع «جيش الإسلام» أحد فصيلي المعارضة الكبيرين اللذين يسيطران على الغوطة الشرقية ثم انضم إليه «فيلق الرحمن» في الشهر التالي.
وإذ وقع «فيلق الرحمن» اتفاقا مع روسيا للخروج من القطاع الأوسط من الغوطة بعد توقيع «أحرار الشام» اتفاقا للخروج من حرستا، تجري حالياً مفاوضات مباشرة بين الجيش الروسي و«جيش الإسلام» لتقرير مستقبل دوما شمال الغوطة.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.