تتجاهل الجماعة الحوثية التداعيات الإنسانية جراء هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن، إذ تحذر تقارير دولية من أوضاع مأساوية قد تهدد في هذا العام ملايين اليمنيين في عموم المناطق تحت سيطرة الجماعة.
في هذا السياق، استهجنت مصادر حقوقية يمنية بشدة انشغال الجماعة بشن مزيد من الهجمات العبثية وغير المبررة ضد السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب، وتجاهلها المستمر لحجم الكارثة التي قد تنتج جراء تلك التداعيات وتأثيراتها المباشرة على حياة ومعيشة الملايين في اليمن.
ويقول وليد، وهو اسم مستعار لمحام يعيش في صنعاء، إن الجماعة تتعمد مضاعفة معاناة السكان وتسعى كل مرة لاختلاق مبررات تهدف إلى تقويض أي عملية سياسية تفضي إلى حلول دائمة، إلى جانب استغلالها للأحداث الحاصلة في غزة بشن مزيد من الهجمات على سفن التجارة في المياه الدولية بمزاعم نصرة فلسطين.
ووسط سوء الأوضاع المعيشية التي تعصف بملايين السكان في مناطق سيطرة الجماعة، زادت المعاناة مع ارتفاع الأسعار ونسب الجوع والفقر والبطالة، وانعدام الخدمات الأساسية، وعودة افتعال أزمة في الوقود وغاز الطهي في صنعاء وغيرها.
اتساع المعاناة
شكا سكان في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد أكثر لمعاناتهم جراء استمرار سياسات الفساد والعبث والقمع والابتزاز والتجويع التي تنتهجها الجماعة.
ويؤكد خالد، وهو معلم في مدينة ذمار، أن معاناة اليمنيين زادت سوءاً أكثر مع تعليق برنامج الأغذية العالمي توزيع المساعدات في مناطق سيطرة الحوثيين منذ أواخر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، نتيجة تدخلات الجماعة في أعماله.
وجاء التصعيد المستمر للجماعة رغم تحذير شبكة دولية متخصصة بتتبع المجاعة في العالم من تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في اليمن. موضحة أن نصف سكان اليمن مهددون بالمجاعة مطلع العام الحالي.
وتوقعت شبكة الإنذار المبكر في تقرير أخير، أن تكون نسبة السكان في اليمن الذين سيحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة بين 50 - 55 في المائة في فبراير(شباط) 2024، أي أكثر من 17 مليوناً، وهي أعلى نسبة من بين 22 دولة تخضع للمراقبة في نظام الشبكة. وحذرت الشبكة من أن أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد في اليمن تجعله يتصدر قائمة 22 بلداً حول العام تعاني من الأزمات الغذائية.
وطبقا للتقرير، سيشهد اليمن في 2024 انتشاراً واسعاً لانعدام الأمن الغذائي «وفق المرحلة 3 من التصنيف المتكامل»، وهي مرحلة «الأزمة» التي تعاني فيها الأسر من فجوات في استهلاك الغذاء وزيادة في سوء التغذية الحاد على المعتاد. وعزا التقرير الأسباب إلى محدودية خيارات سبل العيش وأسعار المواد الغذائية الأساسية فوق المتوسطة.
تجاهل متعمد
وبينما يتجاهل الحوثيون كل التحذيرات من انهيار الوضع الإنساني، أفاد تقرير دولي حديث بأن اليمن لا يزال ضمن قائمة البلدان العشرين الأكثر عرضة لخطر حالات الطوارئ الإنسانية الجديدة خلال عام 2024، جراء استمرار الانهيار الاقتصادي وارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الصراع المتواصل في البلاد منذ نحو 9 سنوات.
وأوضحت لجنة الإنقاذ الدولية في تقرير حول مراقبة الطوارئ السنوية الصادر عنها مؤخراً، أن اليمن لا يزال هذا العام ضمن قائمة تلك الدول الأكثر عرضة لخطر حالات الطوارئ.
وأضافت أن خروج اليمن من المراكز الأولى للقائمة يأتي نتيجة انخفاض عدد الأشخاص الذين بحاجة للمساعدات من 21.6 مليون في 2023 إلى 18.2 مليون عام 2024، غير أن السبب الرئيسي هو أن الهدنة الأممية، ورغم انتهاء صلاحيتها منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022، قللت من احتمالات العودة إلى صراع واسع النطاق في البلاد.
ولفت التقرير إلى أن عقداً من الصراع أدى إلى انهيار اقتصاد البلاد بشكل كبير وانتشار الفقر على نطاق واسع، وأضاف: «لقد دمرت الحرب الاقتصاد وأضعفت العملة ورفعت أسعار السلع الأساسية، كما أن وجود اقتصادين متوازيين أدى إلى تعطيل وظائف الاقتصاد الكلي الأساسية، بالإضافة إلى أن انخراط الحوثيين في حرب غزة قد يؤدي إلى فرض عقوبات إضافية من شأنها أن تزيد من إضعاف الاقتصاد».
وبما أن معدلات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية مرتفعة بشكل مستمر اليمن، تقول اللجنة إن اليمنيين سيظلون يعتمدون بشكل كبير على المساعدة الدولية.
وأصبح نظام الرعاية الصحية في اليمن على حافة الانهيار، بحسب التقرير، حيث يفتقر 60 في المائة من السكان (20.3 مليون شخص) إلى الرعاية الصحية، و46 في المائة من مرافق الرعاية الصحية إما خارج الخدمة أو تعمل جزئياً، وأدى الانخفاض الجزئي لمعدلات التطعيم وارتفاع مستويات سوء التغذية وصعوبة الحصول على المياه النظيفة إلى انتشار العديد من الأمراض والأوبئة في مناطق يمنية متفرقة؛ منها الحصبة والحصبة الألمانية والكوليرا وشلل الأطفال، وغيرها.
ودعت لجنة الإنقاذ الدولية إلى تكثيف الجهود الدولية لمواجهة أزمة الجوع وسوء التغذية في اليمن واتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الأرواح، وسد الفجوات التمويلية التي تعانيها البرامج الإنسانية حتى تتمكن من تلبية الاحتياجات الأساسية لملايين المحتاجين في البلاد.
وكان تقرير دولي آخر صادر عن البنك الدولي ذكر أن الحرب الدائرة في اليمن منذ تسع سنوات، وتداعياتها الاقتصادية والإنسانية الكارثية، زادت عدد الذين يعانون من الجوع في البلاد بأكثر من 6 ملايين شخص.