الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تنذر اليمنيين بالجوع

تستخدم الجماعة الحوثية موانئ الحديدة متنفساً اقتصادياً وقواعد عسكرية (غيتي)
تستخدم الجماعة الحوثية موانئ الحديدة متنفساً اقتصادياً وقواعد عسكرية (غيتي)
TT

الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تنذر اليمنيين بالجوع

تستخدم الجماعة الحوثية موانئ الحديدة متنفساً اقتصادياً وقواعد عسكرية (غيتي)
تستخدم الجماعة الحوثية موانئ الحديدة متنفساً اقتصادياً وقواعد عسكرية (غيتي)

بينما تزعم الجماعة الحوثية أنها تحاصر إسرائيل وتفرض خسائر على اقتصادها من خلال هجماتها التي تستهدف السفن التجارية في البحر الأحمر؛ تنعكس آثار هذه الهجمات على اقتصاد اليمن الذي يعاني من أوسع أزمة إنسانية في العصر الحديث، وتتسبب في مفاقمة معاناة سكانه.

وتنذر الهجمات الحوثية في البحر الأحمر بإفشال جهود السلام الدولية والإقليمية في اليمن، وأقرب الفرص لحل الأزمة اليمنية وإيقاف الصراع الممتد منذ 9 أعوام، والمتمثلة بخريطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي منذ ما يزيد عن أسبوع، والمنتظر أن تؤدي إلى إنهاء المعاناة المعيشية ودفع رواتب الموظفين العموميين وإعادة تصدير النفط.

ولجأ عدد من شركات الشحن العالمية إلى تغيير مسار سفنها منذ مطلع الشهر الحالي لتتجنب المرور في البحر الأحمر، برغم أن بعضها عاود الملاحة فيه، فيما استمر غيرها في سلوك الطريق الملاحي المعتاد، مستندة إلى وجود حماية عسكرية، تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها في مياه المنطقة.

ومنذ منتصف الشهر الحالي، أعلن أكثر من 15 شركة من كبريات شركات الشحن العالمية، وشركات نفطية عملاقة، وقف أنشطتها الملاحية في البحر الأحمر وقناة السويس وباب المندب، أو تغيير مسارات سفنها الملاحية للالتفاف حول قارة أفريقيا والمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح جنوب القارة، وهو طريق الملاحة القديم بين الشرق والغرب.

ويرجح أن شركة البحر المتوسط (إم إس سي) للشحن كانت أولى الشركات التي أعلنت في 16 من الشهر الحالي أن سفنها لن تمر عبر قناة السويس، وأن بعضها تم تحويل مساره بالفعل لرأس الرجاء الصالح بعد يوم من إطلاق الحوثيين صاروخين على إحدى سفنها.

وخلال الأيام التالية تلاحقت قرارات شركات النقل والشحن العالمية بإيقاف مرور سفنها في البحر الأحمر، منها شركة الشحن البحري التايوانية «يانغ مينغ» وشركة «يوروناف» البلجيكية و«إيفرغرين» التايوانية و3 شركات نرويجية، هي «فرونت لاين» و«هوغ أوتولاينرز» و«غرام كار كاريرز» و«هاباغ لويد» الألمانية و«إتش إم إم» الكورية و«ميرسك» الدنماركية ومشروع «أوشن نتورك أكسبرس» الياباني، بالإضافة إلى شركة النفط البريطانية العملاقة «بريتش بتروليوم».

الإضرار بسلاسل التوريدات

تراجعت حركة الملاحة في الموانئ اليمنية منذ بدء التوتر في البحر الأحمر، وكان ميناء عدن يشهد ركوداً منذ ما قبل هذا التوتر بسبب إضراب العمال.

ودفعت الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر دورية «الإيكونوميست» البريطانية إلى القول إن هجمات الحوثيين تهدد اليمن بالجوع، وليس إسرائيل، إلى جانب أنها تنذر بأزمة لقناة السويس والاقتصاد العالمي، والتصعيد العسكري قد يكون حتمياً.

ويؤكد الباحث الاقتصادي رشيد الآنسي أن إيقاف شركات الشحن العالمية لوجهاتها إلى اليمن أو مساراتها التي تمر بموانئه سيلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد اليمني، يتمثل في تعليق الحركة في الموانئ، وندرة الواردات، خصوصاً أن البلاد تستقبل غالبية المواد الأساسية من الخارج وعبر الموانئ البحرية، وهو ما سيزيد من معاناة السكان.

ويوضح الآنسي لـ«الشرق الأوسط» أن شركات الملاحة والشحن الدولية تحدد لسفنها مسارات وخطوط ملاحة على مديات طويلة تزيد عن العام، وسيكون من الصعوبة إعادة تشغيل الخطوط الملاحية التي تمر باليمن خلال وقت قصير في حال توقفت الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، ما يعني أن تأثير هذه الهجمات على السكان سيكون أطول مما هو متوقع.

ويشير إلى الارتفاع الحاصل في كلفة الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر، بسبب ارتفاع قيمة التأمين البحري، الذي قد ارتفع بسبب الصراع في اليمن إلى 100 في المائة عما كان عليه قبل بدء هذا الصراع، إلا أنه عاود الارتفاع أخيراً ليصل إلى 225 في المائة بسبب الأنشطة العدائية للجماعة الحوثية.

ووفقاً للآنسي، ستمتنع كثير من السفن العملاقة من التوجه إلى ميناءي عدن والحديدة الرئيسيين في البلاد، حتى إن لم تغير مساراتها واستمرت في عبور البحر الأحمر، وهو ما سيؤثر على توريد البضائع والسلع، سواء على مناطق سيطرة الجماعة أو المناطق المحررة.

ويقع ميناء عدن جنوب البلاد تحت سيطرة وإدارة الحكومة الشرعية، بينما تسيطر الجماعة الحوثية على ميناء الحديدة على الساحل الغربي، ويعد متنفساً اقتصادياً لها، كما تتخذه مقراً لعملياتها العسكرية البحرية.

توقف التعاملات المالية

بينما يواصل سعر العملة المحلية تقلباته مع ارتفاع التضخم، بدأ كثير من الشركات المالية وشركات الصرافة وقف تعاملاتها وأنشطتها داخل اليمن عطفاً على التوترات في البحر الأحمر.

ويقول مصدر مصرفي لـ«الشرق الأوسط» إن الشركة التي يعمل فيها تعرضت لخسائر كبيرة، وتوقف كثير من أنشطتها، وتجمدت الحوالات المالية التي تستقبلها من الخارج بسبب التوتر في البحر الأحمر، حيث رفض عدد من الشركات خارج اليمن التعامل معها منذ ما يقارب الأسبوعين.

سفينة وحاوية تابعة لشركة الشحن الدنماركية «ميرسك» (أ.ف.ب)

ويبين المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنه لم يكن من السهل إقناع الشركات التي يتعاملون معها منذ سنوات أن البنوك التي تستقبل وتصدر الحوالات المالية التابعة للشركة التي يعمل بها موجودة في عدن، وتحت إشراف البنك المركزي للحكومة المعترف بها دولياً.

وبرغم إمكانية توضيح الصورة لبعض الشركات، حسب المصدر، فإنها أصرت على وقف التعامل، في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث، نظراً لأن السمعة السيئة لحقت بالبلد بأكمله، وليس بالحوثيين فقط، مرجحاً أن تؤدي العقوبات الأميركية على كيانات مصرفية يمنية إلى مزيد من العزلة لقطاع الصرافة اليمني.

في هذا الجانب، حذّر الباحث الاقتصادي رشيد الآنسي من أن سمعة اليمن الاقتصادية ستتضرر بسبب الهجمات الحوثية، بنفس الطريقة التي تضررت بها سمعة الصومال بفعل أعمال القرصنة التي شهدتها مياه المحيط الهندي والبحرين العربي والأحمر بسبب عصابات القرصنة المنطلقة من الصومال قبل نحو عقد ونصف عقد، حيث تضررت سمعة البلد بسبب القرصنة أكثر مما تضررت بسبب الصراع الأهلي.

آمال يمنية بخريطة الطريق

يتدفق ما يقدر بنحو 12 في المائة من حجم التجارة العالمية، ونحو 30 في المائة من حركة الحاويات العالمية، في اتجاهين مختلفين، مروراً بقناة السويس شمالاً، وباب المندب جنوباً.

أثرت الهجمات الحوثية على حركة مرور السفن في قناة السويس (رويترز)

ويتوقع أن تتفاقم المعاناة الإنسانية في اليمن بفعل الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، مع تصاعد الاحتمالات بتأثر المساعدات الإنسانية المقدمة إلى اليمن بهذه الهجمات، خصوصاً أن غالبية المنظمات الدولية تتعامل مع شركات شحن عالمية، إضافة إلى ارتفاع كلفة التأمين لمعدات النقل البحري والسفن التابعة لعدد من هذه المنظمات.

ويرى الباحث السياسي، صلاح علي صالح، أن تأخر الرد الدولي الصارم على الهجمات الحوثية يدفع الجماعة إلى الإحساس بمزيد من نشوة الانتصار، ويعقد إمكانية تراجعها عن ممارساتها التي تلحق الضرر بالسكان الخاضعين لسيطرتها.

ويذهب صلاح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الجماعة تعرضت في بداية الحرب في غزة إلى تهكم وسخرية كبيرين بسبب مزاعمها مناصرة سكان القطاع المحاصر، وبرغم أن ردود فعلها في البداية كانت خجولة وغير ملموسة، فإنها بعد عدد من التجارب التي لم تأتِ عليها بردّ فعل عنيف كما كان متوقعاً باتت تشعر أنها قادرة على المضي في هذا النهج.

تهدد الهجمات الحوثية على السفن التجارية بتحويل البحر الأحمر إلى ممر ملاحي مهجور (أ.ف.ب)

في موازاة ذلك، يأمل اليمنيون أن تنهي «خريطة الطريق» الانقسام الاقتصادي المحلي وازدواجية العملة.

ويشدد محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة تمكين البنك المركزي في عدن من الهيمنة على سوق النقد وتحريك أدوات السياسة النقدية بالاتجاه الذي من شأنه مواجهة التضخم وتحسين الوضع الإنساني والمعيشي المنهار، وتحديد سعر رسمي للدولار الأميركي مقابل الريال اليمني في مستوى يوازي السعر الرسمي المقر من حكومة الأمر الواقع في صنعاء (530 ريالاً للدولار تقريباً).

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، شدد الأكاديمي قحطان على ضرورة خلق توافقات مع البنوك التجارية، بحيث ترفع القيود المفروضة على ودائع العملاء، وبما يعيد الثقة بالبنوك التجارية وتفعيلها مقابل التضييق على انفلات شبكات الصرافة، وتحجيم ما تقوم به من أدوار سلبية مؤثرة على سوق الصرف للعملة الوطنية.


مقالات ذات صلة

الحوثيون: هجماتنا على إسرائيل ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية

العالم العربي دخان يتصاعد من موقع الغارات الجوية الإسرائيلية بمدينة الحديدة الساحلية باليمن في هذه الصورة المنشورة 20 يوليو 2024 (رويترز)

الحوثيون: هجماتنا على إسرائيل ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية

قال عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين، الخميس، إن هجمات الجماعة على إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في قطاع غزة ستستمر ولن تردعها الغارات الجوية الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج السعودية أكدت استمرار وقوفها مع اليمن وحكومته وشعبه (الشرق الأوسط)

ترحيب سعودي وخليجي باتفاق الحكومة اليمنية والحوثيين الاقتصادي

رحبت السعودية باتفاق الحكومة اليمنية والحوثيين على إجراءات خفض التصعيد فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية.

العالم العربي بفضل الدعم المقدم من مركز الملك سلمان للإغاثة حققت الصحة العالمية نجاحات كبيرة في اليمن (الأمم المتحدة)

​«الكوليرا» يتفشّى بشكل «مخيف» في مناطق سيطرة الحوثيين

كشفت منظمة الصحة العالمية عن انتشار مخيف لوباء الكوليرا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بشمال اليمن وقالت إن عدد الإصابات المسجلة تقترب من 100 ألف حالة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي من اجتماع سابق لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

حوار غروندبرغ الاقتصادي... غضب يمني ومرونة رئاسية ورفض حوثي

أظهر مجلس القيادة الرئاسي اليمني مرونة إزاء طلب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، وقف تدابير البنك المركزي في عدن والانخراط في حوار اقتصادي، بينما رفض الحوثيون.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي جانب من استعراض حوثي مسلح في صنعاء (أ.ف.ب)

مقتل وإصابة 8 مدنيين بينهم أطفال جنوب تعز بقصف حوثي

قُتل وأصيب 8 مدنيين، بينهم أطفال جراء قصف للميليشيات الحوثية الإرهابية استهدف منطقة الشقب في مديرية الموادم جنوب محافظة تعز اليمنية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
TT

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)

حذّرت منصّة يمنية متخصصة في تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي، وكشفت عن بيانات تنشر لأوّل مرة عن مشروع توسع الجماعة، الذي يديره بشكل مباشر «الحرس الثوري» الإيراني، بتنسيق مع ميليشيا «حزب الله» اللبناني.

وتضمن تقرير المنصة، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، معلومات عن خريطة التوسّع الخارجي للجماعة الحوثية بتكليف من إيران، وخريطة تهريب وتسليح الجماعة، ومفاتيح مشروع التوسّع الحوثي في القرن الأفريقي والمشرفين عليه والمنفّذين.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

ويتناول التقرير نشاط جماعة الحوثيين خارجياً في القرن الأفريقي، ابتداءً من تهريب الأسلحة وتجنيد الأفارقة ومعسكرات تدريبهم، واستخدامهم في الأنشطة الاستخبارية والإرهابية التوسّعية.

ووفق التقرير، أكدت محاضر سرية لاجتماعات ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» التابع للحوثيين أنه جرى إسناد مسؤولية مشروع التوسّع الخارجي في القرن الأفريقي إلى القيادي عبد الواحد أبو راس، ورئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني، ووكيل الجهاز لقطاع العمليات الخارجية حسن الكحلاني (أبو شهيد)، والقيادي الحسن المرّاني، والقيادي أبو حيدر القحوم، بهدف تحقيق مساعي إيران في التوسّع في القارة الأفريقية والسيطرة على ممرّات الملاحة الدولية.

وأشار التقرير إلى الدور الذي يلعبه نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين الانقلابية، حسين العزّي، من خلال المصادر الدبلوماسية والشخصيات التي تعمل معه في كل من إثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، والسودان، وكينيا، إذ تُجرى إقامة علاقات استخباراتية وأمنية وسياسية ولوجستية مع الشخصيات والعناصر الموجودة والمقرّبة من جماعة الحوثيين في تلك الدول، والعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من الدبلوماسيين في السفارات اليمنية في تلك الدول.

تجهيز وتدريب

وكشفت المنصة اليمنية في تقريرها عن سعي الحوثيين لإنشاء محطات استخباراتية حسّاسة ودقيقة في كل دول القرن الأفريقي والدول المحيطة باليمن، والعمل على تجهيز وتدريب وتأهيل كوادرها في أسرع وقت ممكن؛ بهدف تفعيلها بشكل مناسب، وفي وقت مناسب، لما يحقّق أهداف ما تُسمّى «المسيرة القرآنية والمصالح المشتركة مع دول المقاومة، خصوصاً إيران، وغزة، ولبنان».

عشرات الآلاف من الأفارقة المهاجرين يصلون سنوياً إلى اليمن (الأمم المتحدة)

وأظهرت الوثائق التي أشار إليها التقرير إلى هدف الحوثيين المتمثّل في التحضير والتجهيز مع العناصر والشخصيات التي جرى إنشاء علاقة معها في أفريقيا لـ«إنجاز أعمال وتحرّكات ونشاط في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي لمساندة الحوثيين في حال ما تعرّضوا لأي ضغوط سياسية أو دبلوماسية دولية خارجية».

واحتوى التقرير على أسماء القيادات المسؤولة عن هذا الملف، ابتداءً من المشرف في «الحرس الثوري» الإيراني المدعو أبو مهدي، وانتهاءً بمالك أصغر قارب تهريب للأسلحة في البحر الأحمر، إضافة إلى علاقة تنظيم «الشباب المجاهدين» الصومالي بجماعة الحوثيين والأفارقة ومافيا تجنيد الأفارقة وتهريبهم من وإلى اليمن، في واحدة من أخطر جرائم الاتجار بالبشر والجريمة المنظّمة.

ويؤكد تقرير منصّة تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) أن جماعة الحوثيين قامت باستقطاب وتجنيد كثير من العناصر الأفريقية من جنسيات مختلفة، خصوصاً عقب اجتياح صنعاء ومحافظات عدّة في سبتمبر (أيلول) 2014، إذ جرى إخضاعهم لدورات ثقافية وعسكرية، وتوزيعهم على جبهات القتال (تعز - الساحل الغربي - مأرب - الحدود)، وأرجع البعض إلى دولهم لغرض التوسّع في أفريقيا.

تعنت الحوثيين أدى إلى تعطيل مسار السلام في اليمن (أ.ب)

كما استقطبت الجماعة - وفق المنصة - كثيراً من الشخصيات والرموز الأفارقة المؤثّرين (قبيلة العفر - الأورومو - أوجادين) بين أوساط الجاليات الأفريقية في صنعاء (الصومالية - الإثيوبية - الإريترية) والاعتماد عليهم في الحشد والاستقطاب من اللاجئين الأفارقة الموجودين في صنعاء، وكذلك من يجري استقطابهم من مناطقهم بالقرن الأفريقي، والتنسيق لهم للوصول إلى صنعاء.

أبو راس والكحلاني

وذكرت المنصة اليمنية في تقريرها أن مسؤول ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي في الجماعة الحوثية هو عبد الواحد ناجي محمد أبو راس، واسمه الحركي «أبو حسين»، وهو من مواليد محافظة الجوف اليمنية، إذ تولّى هذا الملف بتوصية مباشرة من قبل قيادات إيرانية سياسية عليا وقيادات في «الحرس الثوري» الإيراني.

ومن أبرز الملفات التي يعمل عليها أبو راس، وفق التقرير، التنسيق مع عناصر «الحرس الثوري» الإيراني، وقيادة الحركة الحوثية للعمل الميداني، كما أنه المسؤول المباشر عن تأمين وإدخال وتهريب عناصر «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» من وإلى اليمن.

وتوارى أبو راس - وفق التقرير - عن الأنظار منذ عدة أعوام، ولكنه كان المكلّف السري بأخطر الملفات السياسية والاستخباراتية لدى جماعة الحوثي، إذ كُلّف بمهام وكيل الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، حتى تعيين المدعو حسن الكحلاني بالمنصب نفسه، وترقية أبو راس لتولي ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي، بتوصية واتفاق مباشر بين عبد الملك الحوثي وقيادة «الحرس الثوري» الإيراني.

الحوثيون يطمحون إلى التحول إلى لاعب دولي ضمن المحور الذي تقوده إيران في المنطقة (أ.ب)

وإلى جانب أبو راس يأتي القيادي حسن أحمد الكحلاني، المُعين في منصب وكيل قطاع العمليات الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، والمعروف بكنيته «أبو شهيد»، وهو من مواليد 1984 في محافظة حجة، ويُعد من القيادات الحوثية الأمنية البارزة؛ إذ نشأ في بيئة حوثية بين صعدة وصنعاء، والتحق بالجماعة في سن مبكّرة.

ويشير التقرير إلى أن الكحلاني كان من خلية صنعاء الإرهابية التي نفّذت عدّة تفجيرات واغتيالات عقب مقتل مؤسّس الجماعة حسين الحوثي في 2004، كما كان من القيادات التي تولت دخول صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وتولّى قيادة المجموعة التي أصدرت توجيهاً بمنع طائرة أمريكية من الإقلاع من مطار صنعاء، بحجة تفتيشها قبل المغادرة. وعقب هذا الحادث، جرى اغتيال والده في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 على أيدي مسلّحين مجهولين يستقلون دراجة نارية في صنعاء.

ويعمل حسن الكحلاني حالياً - وفق المنصة - تحت إشراف عبد الواحد أبو راس، ويعرف ارتباطه الوثيق بـ«الحرس الثوري» الإيراني، ويحاول عبر هذه العلاقة فرض نفسه باعتباره الرجل الأول في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، الأمر الذي يعكس حالة من الصراع بينه وبين عبد الحكيم الخيواني رئيس الجهاز.

قيادات في ملف التوسع

يشير تقرير المنصة اليمنية إلى القيادي الحوثي أدهم حميد عبد الله العفاري (أبو خليل) ويذكر أنه المختص في ملف الجاليات الأفريقية الموجودة في اليمن، خصوصاً في صنعاء، إذ كُلّف بمهام التواصل المستمر والتنسيق برؤساء الجاليات (إثيوبية- صومالية - إريترية - سودانية - جيبوتية).

عناصر حوثيون في صنعاء خلال تجمع حاشد دعا له زعيمهم (أ.ف.ب)

كما يعمل العفاري على حشد العناصر الأفريقية وإلحاقهم بالدورات العسكرية والثقافية، وبعدها يجري توزيعهم على جبهات (الساحل الغربي - مأرب - الحدود - تعز)، وفي مهام استخباراتية داخل بلدانهم.

وإلى ذلك يعد العفاري، المسؤول عن التنسيق مع النقاط الأمنية التابعة للحوثيين لإدخال العناصر الأفريقية إلى مناطق الحوثيين، ويتولى أيضاً مهام أخرى، أبرزها صرف المخصّصات المالية للعناصر الأفريقية.

أما الشخص الرابع المسؤول عن ملف التوسّع الخارجي الحوثي إلى القرن الأفريقي فهو أسامة حسن أحمد المأخذي، واسمه الحركي (أبو شهيد)، وهو - وفق التقرير - أحد العناصر الحوثية العاملة في جهاز الأمن والمخابرات، وملف المسار الأفريقي، وتتلخّص مهمته في التنسيق مع الشخصيات الأفريقية المؤثّرة في كل من (الصومال - إثيوبيا - إريتريا - جيبوتي - السودان) من أجل حشدهم لتدريبهم وتأهيلهم، وإلحاقهم بصفوف ميليشيا الحوثي، بصفتهم مقاتلين وعاملين في الدول القادمين منها، وبصفتهم عناصر استخباراتية، تقوم بمهام مختلفة، منها نشر الفكر الحوثي، والقيام بالعمليات الاستخباراتية، وتهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر، ونقل المخدرات عبر البحر من وإلى القرن الأفريقي واليمن.

الجماعة الحوثية متهمة بتجنيد اللاجئين الأفارقة بالترغيب والترهيب (الأمم المتحدة)

إلى ذلك أورد التقرير أسماء 16 شخصية أفريقية، هم أبرز المتعاونين مع الجماعة الحوثية للتوسع في القرن الأفريقي، يتصدرهم، تاجو شريف، وهو مسؤول عن الجالية الإثيوبية في صنعاء، والتحق بدورات ثقافية حوثية، ويعمل على استقطاب وتجنيد عناصر أفريقية لصالح العمل العسكري والاستخباراتي الحوثي.

ويرى التقرير في توصياته أن التوسع الحوثي في القرن الأفريقي يمثل تهديداً كبيراً يستدعي تحركاً دولياً وإقليمياً عاجلاً، من خلال خطة رادعة متكاملة توقف التوسع والنشاط الخارجي بشكل كامل، وبما يعزز الاستقرار والأمن في المنطقة.