الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تنذر اليمنيين بالجوع

تستخدم الجماعة الحوثية موانئ الحديدة متنفساً اقتصادياً وقواعد عسكرية (غيتي)
تستخدم الجماعة الحوثية موانئ الحديدة متنفساً اقتصادياً وقواعد عسكرية (غيتي)
TT

الهجمات الحوثية في البحر الأحمر تنذر اليمنيين بالجوع

تستخدم الجماعة الحوثية موانئ الحديدة متنفساً اقتصادياً وقواعد عسكرية (غيتي)
تستخدم الجماعة الحوثية موانئ الحديدة متنفساً اقتصادياً وقواعد عسكرية (غيتي)

بينما تزعم الجماعة الحوثية أنها تحاصر إسرائيل وتفرض خسائر على اقتصادها من خلال هجماتها التي تستهدف السفن التجارية في البحر الأحمر؛ تنعكس آثار هذه الهجمات على اقتصاد اليمن الذي يعاني من أوسع أزمة إنسانية في العصر الحديث، وتتسبب في مفاقمة معاناة سكانه.

وتنذر الهجمات الحوثية في البحر الأحمر بإفشال جهود السلام الدولية والإقليمية في اليمن، وأقرب الفرص لحل الأزمة اليمنية وإيقاف الصراع الممتد منذ 9 أعوام، والمتمثلة بخريطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي منذ ما يزيد عن أسبوع، والمنتظر أن تؤدي إلى إنهاء المعاناة المعيشية ودفع رواتب الموظفين العموميين وإعادة تصدير النفط.

ولجأ عدد من شركات الشحن العالمية إلى تغيير مسار سفنها منذ مطلع الشهر الحالي لتتجنب المرور في البحر الأحمر، برغم أن بعضها عاود الملاحة فيه، فيما استمر غيرها في سلوك الطريق الملاحي المعتاد، مستندة إلى وجود حماية عسكرية، تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها في مياه المنطقة.

ومنذ منتصف الشهر الحالي، أعلن أكثر من 15 شركة من كبريات شركات الشحن العالمية، وشركات نفطية عملاقة، وقف أنشطتها الملاحية في البحر الأحمر وقناة السويس وباب المندب، أو تغيير مسارات سفنها الملاحية للالتفاف حول قارة أفريقيا والمرور عبر طريق رأس الرجاء الصالح جنوب القارة، وهو طريق الملاحة القديم بين الشرق والغرب.

ويرجح أن شركة البحر المتوسط (إم إس سي) للشحن كانت أولى الشركات التي أعلنت في 16 من الشهر الحالي أن سفنها لن تمر عبر قناة السويس، وأن بعضها تم تحويل مساره بالفعل لرأس الرجاء الصالح بعد يوم من إطلاق الحوثيين صاروخين على إحدى سفنها.

وخلال الأيام التالية تلاحقت قرارات شركات النقل والشحن العالمية بإيقاف مرور سفنها في البحر الأحمر، منها شركة الشحن البحري التايوانية «يانغ مينغ» وشركة «يوروناف» البلجيكية و«إيفرغرين» التايوانية و3 شركات نرويجية، هي «فرونت لاين» و«هوغ أوتولاينرز» و«غرام كار كاريرز» و«هاباغ لويد» الألمانية و«إتش إم إم» الكورية و«ميرسك» الدنماركية ومشروع «أوشن نتورك أكسبرس» الياباني، بالإضافة إلى شركة النفط البريطانية العملاقة «بريتش بتروليوم».

الإضرار بسلاسل التوريدات

تراجعت حركة الملاحة في الموانئ اليمنية منذ بدء التوتر في البحر الأحمر، وكان ميناء عدن يشهد ركوداً منذ ما قبل هذا التوتر بسبب إضراب العمال.

ودفعت الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر دورية «الإيكونوميست» البريطانية إلى القول إن هجمات الحوثيين تهدد اليمن بالجوع، وليس إسرائيل، إلى جانب أنها تنذر بأزمة لقناة السويس والاقتصاد العالمي، والتصعيد العسكري قد يكون حتمياً.

ويؤكد الباحث الاقتصادي رشيد الآنسي أن إيقاف شركات الشحن العالمية لوجهاتها إلى اليمن أو مساراتها التي تمر بموانئه سيلحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد اليمني، يتمثل في تعليق الحركة في الموانئ، وندرة الواردات، خصوصاً أن البلاد تستقبل غالبية المواد الأساسية من الخارج وعبر الموانئ البحرية، وهو ما سيزيد من معاناة السكان.

ويوضح الآنسي لـ«الشرق الأوسط» أن شركات الملاحة والشحن الدولية تحدد لسفنها مسارات وخطوط ملاحة على مديات طويلة تزيد عن العام، وسيكون من الصعوبة إعادة تشغيل الخطوط الملاحية التي تمر باليمن خلال وقت قصير في حال توقفت الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، ما يعني أن تأثير هذه الهجمات على السكان سيكون أطول مما هو متوقع.

ويشير إلى الارتفاع الحاصل في كلفة الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر، بسبب ارتفاع قيمة التأمين البحري، الذي قد ارتفع بسبب الصراع في اليمن إلى 100 في المائة عما كان عليه قبل بدء هذا الصراع، إلا أنه عاود الارتفاع أخيراً ليصل إلى 225 في المائة بسبب الأنشطة العدائية للجماعة الحوثية.

ووفقاً للآنسي، ستمتنع كثير من السفن العملاقة من التوجه إلى ميناءي عدن والحديدة الرئيسيين في البلاد، حتى إن لم تغير مساراتها واستمرت في عبور البحر الأحمر، وهو ما سيؤثر على توريد البضائع والسلع، سواء على مناطق سيطرة الجماعة أو المناطق المحررة.

ويقع ميناء عدن جنوب البلاد تحت سيطرة وإدارة الحكومة الشرعية، بينما تسيطر الجماعة الحوثية على ميناء الحديدة على الساحل الغربي، ويعد متنفساً اقتصادياً لها، كما تتخذه مقراً لعملياتها العسكرية البحرية.

توقف التعاملات المالية

بينما يواصل سعر العملة المحلية تقلباته مع ارتفاع التضخم، بدأ كثير من الشركات المالية وشركات الصرافة وقف تعاملاتها وأنشطتها داخل اليمن عطفاً على التوترات في البحر الأحمر.

ويقول مصدر مصرفي لـ«الشرق الأوسط» إن الشركة التي يعمل فيها تعرضت لخسائر كبيرة، وتوقف كثير من أنشطتها، وتجمدت الحوالات المالية التي تستقبلها من الخارج بسبب التوتر في البحر الأحمر، حيث رفض عدد من الشركات خارج اليمن التعامل معها منذ ما يقارب الأسبوعين.

سفينة وحاوية تابعة لشركة الشحن الدنماركية «ميرسك» (أ.ف.ب)

ويبين المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، أنه لم يكن من السهل إقناع الشركات التي يتعاملون معها منذ سنوات أن البنوك التي تستقبل وتصدر الحوالات المالية التابعة للشركة التي يعمل بها موجودة في عدن، وتحت إشراف البنك المركزي للحكومة المعترف بها دولياً.

وبرغم إمكانية توضيح الصورة لبعض الشركات، حسب المصدر، فإنها أصرت على وقف التعامل، في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث، نظراً لأن السمعة السيئة لحقت بالبلد بأكمله، وليس بالحوثيين فقط، مرجحاً أن تؤدي العقوبات الأميركية على كيانات مصرفية يمنية إلى مزيد من العزلة لقطاع الصرافة اليمني.

في هذا الجانب، حذّر الباحث الاقتصادي رشيد الآنسي من أن سمعة اليمن الاقتصادية ستتضرر بسبب الهجمات الحوثية، بنفس الطريقة التي تضررت بها سمعة الصومال بفعل أعمال القرصنة التي شهدتها مياه المحيط الهندي والبحرين العربي والأحمر بسبب عصابات القرصنة المنطلقة من الصومال قبل نحو عقد ونصف عقد، حيث تضررت سمعة البلد بسبب القرصنة أكثر مما تضررت بسبب الصراع الأهلي.

آمال يمنية بخريطة الطريق

يتدفق ما يقدر بنحو 12 في المائة من حجم التجارة العالمية، ونحو 30 في المائة من حركة الحاويات العالمية، في اتجاهين مختلفين، مروراً بقناة السويس شمالاً، وباب المندب جنوباً.

أثرت الهجمات الحوثية على حركة مرور السفن في قناة السويس (رويترز)

ويتوقع أن تتفاقم المعاناة الإنسانية في اليمن بفعل الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، مع تصاعد الاحتمالات بتأثر المساعدات الإنسانية المقدمة إلى اليمن بهذه الهجمات، خصوصاً أن غالبية المنظمات الدولية تتعامل مع شركات شحن عالمية، إضافة إلى ارتفاع كلفة التأمين لمعدات النقل البحري والسفن التابعة لعدد من هذه المنظمات.

ويرى الباحث السياسي، صلاح علي صالح، أن تأخر الرد الدولي الصارم على الهجمات الحوثية يدفع الجماعة إلى الإحساس بمزيد من نشوة الانتصار، ويعقد إمكانية تراجعها عن ممارساتها التي تلحق الضرر بالسكان الخاضعين لسيطرتها.

ويذهب صلاح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الجماعة تعرضت في بداية الحرب في غزة إلى تهكم وسخرية كبيرين بسبب مزاعمها مناصرة سكان القطاع المحاصر، وبرغم أن ردود فعلها في البداية كانت خجولة وغير ملموسة، فإنها بعد عدد من التجارب التي لم تأتِ عليها بردّ فعل عنيف كما كان متوقعاً باتت تشعر أنها قادرة على المضي في هذا النهج.

تهدد الهجمات الحوثية على السفن التجارية بتحويل البحر الأحمر إلى ممر ملاحي مهجور (أ.ف.ب)

في موازاة ذلك، يأمل اليمنيون أن تنهي «خريطة الطريق» الانقسام الاقتصادي المحلي وازدواجية العملة.

ويشدد محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة تمكين البنك المركزي في عدن من الهيمنة على سوق النقد وتحريك أدوات السياسة النقدية بالاتجاه الذي من شأنه مواجهة التضخم وتحسين الوضع الإنساني والمعيشي المنهار، وتحديد سعر رسمي للدولار الأميركي مقابل الريال اليمني في مستوى يوازي السعر الرسمي المقر من حكومة الأمر الواقع في صنعاء (530 ريالاً للدولار تقريباً).

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، شدد الأكاديمي قحطان على ضرورة خلق توافقات مع البنوك التجارية، بحيث ترفع القيود المفروضة على ودائع العملاء، وبما يعيد الثقة بالبنوك التجارية وتفعيلها مقابل التضييق على انفلات شبكات الصرافة، وتحجيم ما تقوم به من أدوار سلبية مؤثرة على سوق الصرف للعملة الوطنية.


مقالات ذات صلة

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)
الخليج جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية (مجلس التعاون)

إدانة خليجية للاعتداء الغادر بمعسكر قوات التحالف في سيئون اليمنية

أدان جاسم البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الاعتداء الغادر في معسكر قوات التحالف بمدينة سيئون بالجمهورية اليمنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
TT

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

رحبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، معتبرة أنه خطوة «تاريخية مهمة».

وقالت الحركة في بيان إنها «خطوة ... تشكل سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا»، من دون الإشارة إلى مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق محمد الضيف، قائد الجناح المسلح لـ«حماس».

ودعت الحركة في بيان «محكمة الجنايات الدولية إلى توسيع دائرة استهدافها بالمحاسبة، لكل قادة الاحتلال».

وعدّت «حماس» القرار «سابقة تاريخية مهمة»، وقالت إن هذه الخطوة تمثل «تصحيحاً لمسار طويل من الظلم التاريخي لشعبنا، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرض لها طيلة 46 عاماً من الاحتلال».

كما حثت الحركة الفلسطينية كل دول العالم على التعاون مع المحكمة الجنائية في جلب نتنياهو وغالانت، «والعمل فوراً لوقف جرائم الإبادة بحق المدنيين العزل في قطاع غزة».

وفي وقت سابق اليوم، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لتورطهما في «جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وقال القيادي بحركة «حماس»، عزت الرشق، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن أمر الجنائية الدولية يصب في المصلحة الفلسطينية.

وعدّ أن أمر «الجنائية الدولية» باعتقال نتنياهو وغالانت يكشف عن «أن العدالة الدولية معنا، وأنها ضد الكيان الصهيوني».

من الجانب الإسرائيلي، قال رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، إن قرار المحكمة بإصدار أمري اعتقال بحق نتنياهو وغالانت «وصمة عار» للمحكمة. وندد زعيم المعارضة في إسرائيل، يائير لابيد، أيضاً بخطوة المحكمة، ووصفها بأنها «مكافأة للإرهاب».

ونفى المسؤولان الإسرائيليان الاتهامات بارتكاب جرائم حرب. ولا تمتلك المحكمة قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعتمد في ذلك على الدول الأعضاء بها.