سليمان جودة
رئيس تحرير صحيفة «الوفد» السابق. كاتب العمود اليومي «خط أحمر» في صحيفة «المصري اليوم» منذ صدورها في 2004. عضو هيئة التحكيم في «جائزة البحرين للصحافة». حاصل على خمس جوائز في الصحافة؛ من بينها: «جائزة مصطفى أمين». أصدر سبعة كتب؛ من بينها: «شيء لا نراه» عن فكرة الأمل في حياة الإنسان، و«غضب الشيخ» عن فكرة الخرافة في حياة الإنسان أيضاً.
TT

رامي الحمد الله ليس الهدف

ما أشبه محاولة الاغتيال التي تعّرض لها رامي الحمد الله، رئيس الوزراء الفلسطيني، قبل عشرة أيام، بمحاولة من النوع نفسه وقعت في القاهرة قبل ربع قرن تقريباً! ما أشبه هذه بتلك، من حيث الدوافع الحقيقية التي كانت وراء كل محاولة منهما!
ففي منتصف التسعينات من القرن الماضي، كان اللواء عبد الحليم موسى، يرحمه الله، وزيراً للداخلية، وكانت الجماعة الإسلامية تنشط في ارتكاب أعمال عنف في كل اتجاه، وخصوصاً في صعيد مصر، وكان المجتمع في مُجمله قد ضج مما كانت الجماعة تمارسه، وكانت ملاحقات الأمن وقتها قد بدت غير قادرة على وضع حد للممارسات التي كان أعضاء في الجماعة الإسلامية لا يريدون التوقف عنها!
وأمام تمدد أعمال العنف واستمرارها، تبنت أوساط في الدولة تنظيم لقاء بين اللواء موسى، وبين رموز إسلامية قادرة على التأثير على الجماعة، وعلى تهدئة الأجواء بشكل عام بالتالي!
ولم يكن لدى الوزير في ذلك الوقت مانع من عقد اللقاء، ومن المؤكد أنه استشار الدوائر المعنية في البلد فيما كان قد قرر الإقدام عليه، فليس من المتصور أن يقرر من تلقاء نفسه العمل على مثل هذا التوجه... وكان أن قطع من ناحيته خطوة أخرى أكثر على المستوى العملي هذه المرة، وكانت الخطوة هي تحديد موعد بينه كوزير مسؤول عن الأمن، وبين شخصية ذات توجه إسلامي في تفكيرها!
وقيل إنها تستطيع الحديث مع أسماء قريبة من الجماعة الإسلامية، وإن حديثها سوف يؤدي إلى نتائج على الأرض، وإن هذه النتائج ستكون وقف كل أعمال العنف!
وكانت هناك أصوات ضد اللقاء، حين تسربت أخباره، وكنت من بين هذه الأصوات، وكانت حجتها في الرفض أن الدولة المصرية، وكذلك كل دولة، تظل أكبر من أي جماعة فيها، حتى ولو كانت هذه الجماعة هي الجماعة الإسلامية، وأن وضع أي جماعة نداً للدولة بالجلوس معها، خطأ وخطر، وأن على الجماعة الإسلامية أن تنساق لما تريده الدولة المصرية، وتنصحها به، بالتوقف تماماً عن أي عنف، وإلا فالقانون هو الحل في هذه الحالة، وفي كل الأحوال طبعاً!
ولكن يبدو أن الصوت الآخر المؤيد للجلوس مع الجماعة، هو الذي ساد وانتصر، وكان منطق هذا الصوت أن الوزير إذا نجح في مسعاه، فسوف يُحسب النجاح للدولة، وإذا فشل فسوف يتحمل الوزير فشله وحده... وهو منطق رغم وجاهته خطأ وخطر أيضاً! وجرى تحديد موعد بين الوزير وبين الشخصية الوسيطة!
وفي الصباح نفسه الذي كان اللقاء سيتم فيه، وقعت محاولة اغتيال صفوت الشريف، وزير الإعلام، وأحد الأركان القوية في دولة حسني مبارك! وتقرر إلغاء لقاء موسى مع الشخصية الإسلامية الوسيطة... وكأن هذا كان هو الهدف من جانب دوائر في الدولة، لم تكن تستريح إلى اللقاء، وكانت تريده ألا يتم...! ولم يتم يومها، ولا في أي يوم بعدها... وكانت محاولة الاغتيال الفاشلة هي الطريق إلى تحقيق هذا الهدف!
ومع اختلاف الظروف، والوقت، والأبعاد، فإن وجوه الشبه بين محاولة اغتيال الشريف، وبين محاولة اغتيال الحمد الله، أكثر من وجوه الاختلاف؛ فهناك كان الهدف يتركز في تعطيل الأمور عن السير في اتجاه معين، وهنا كان الهدف نفسه قائماً، وهو عرقلة المصالحة بين السلطة في الضفة الغربية، وبين حركة حماس في قطاع غزة، عن الوصول إلى محطتها الأخيرة التي لا بديل عن أن تصل إليها، أو على الأقل إطلاق قنابل الدخان حولها، وتحويل الأجواء إلى فضاء ضبابي لا يرى فيه الطرفان شيئاً!
وكان إسراع السلطة باتهام الحركة بالمسؤولية عن العملية خيطاً من خيوط هذا الدخان، رغم أن الحركة أدانت العملية على الفور، وفتحت فيها تحقيقاً، وألقت القبض على مشتبه بهم!... لا أقول هذا على سبيل الانحياز إلى طرف من طرفي المصالحة ضد طرف آخر، ولكني أقوله لعل الطرفين ينتبهان إلى أن طرفاً ثالثاً بالضرورة وراء العملية، لأهداف يستطيع كل صاحب عقل أن يراها بسهولة!
فالمصالحة منذ بدأت منتصف العام الماضي، لا تُسعد أطرافاً في المنطقة، وربما خارجها... ومن الطبيعي أن يكون طرف منها، أو تكون هي كلها، وراء استهداف حياة رئيس الوزراء الفلسطيني، ومعها حياة اللواء ماجد فرج، بمجرد دخول موكبهما إلى القطاع، لافتتاح محطة من محطات تحلية المياه!
غير أن مؤشرين اثنين على الجانبين، يقولان إن كلا الطرفين منتبه إلى الاحتمال الكبير لوجود طرف ثالث، وعازم على قطع الطريق على أصحاب هذا الاحتمال، وعلى إفساد أهدافه عليه!
المؤشر الأول تجلى في تصريح الحمد الله، أثناء حضوره مؤتمر الأونروا في روما، عن أن رده على المحاولة سيكون مزيداً من الإصرار على إتمام المصالحة، والوصول بها إلى غايتها التي لا بد أن تكون موضع رضا كل فلسطيني لا يرضيه الانقسام الحاصل بين الضفة وبين القطاع! وهو كلام محترم، ومسؤول، ومُقدر لطبائع الأمور.
وعلى الجانب الآخر كان هناك مؤشر بالقوة نفسها، عندما قرر اللواء توفيق أبو نعيم، مدير قوى الأمن الداخلي في غزة، إغلاق شركة «الوطنية موبايل» القطرية، لأنها لم تتعاون في مُجريات التحقيق في واقعة الاغتيال، ولأنها رفضت الاستجابة لكتاب من النائب العام في القطاع، يطلب كشف سجلات مكالمات، وتسجيلات، وأسماء مشتبه بهم في القضية.
والخليفة الراشد الثاني، عمر بن الخطاب، هو الذي قال ما معناه إن علينا أن نُظهر أحسن ما عندنا... أما السرائر فالله تعالى أعلم بها!
وقد أظهرت السلطة أحسن ما عندها، في تصريح رئيس الوزراء خلال وجوده في العاصمة الإيطالية... والشيء ذاته حدث من حماس بقرار اللواء أبو نعيم!
إن رأس الحمد الله، لم تكن هي الهدف من وراء السيارة المفخخة التي انفجرت في طريق موكبه، ولا من وراء الرصاص الذي جرى إطلاقه في المكان، ولا كانت رأس اللواء فرج مستهدفة هي الأخرى في حد ذاتها، ولكنها رأس المصالحة... ومن بعد المصالحة رأس القضية الأكبر... قضية حق كل فلسطيني في أن تقوم دولة يحمل جنسيتها على أرض له محتلة!