حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ملف منسي!

هناك ملف شائك لا يلقى القدر الكافي من الاهتمام، وأعلم مقدماً وبشكل جيد أن هذا الموضوع سيقابل بردود فعل حادة انفعالية؛ الموضوع الذي أقصده هنا هو حقوق يهود المشرق في بلادهم السابقة.
من الطبيعي أن يأتي الرد الساخر الفوري: أو ليس من باب أولى أن ينال المواطنون حقوقهم في بلادهم أولاً قبل أن نحمل هَم الآخرين؟ وهذه إشكالية بحد ذاتها: مبدأ التمييز في الحقوق.
اليهود الذين أعنيهم كانوا جزءاً من مجتمعات عربية خالصة، كانوا مواطنين حتى بدء التضييق عليهم، وذلك بالتشكيك في ولائهم وتخوينهم، وإجبارهم بالتضييق عليهم على الرحيل. وإذا لم ينفع الضغط، تم تأميم ممتلكاتهم بصريح العبارة (مثلهم مثل غيرهم)، ولكن كانوا هدفاً منظماً للتخوين والتشكيك في الولاء، وذلك على الرغم من كونهم أساس الفنون والاقتصاد والحضارة في البلاد التي كانوا فيها.
أذكر واقعة «مشهورة» حدثت معي (وكتب عنها مقال رأي الكاتب الأميركي المشهور ديفيد إغناتيوس في صحيفة «واشنطن بوست»)، حينما كانت ابنتي تستعد لإجراء عملية جراحية دقيقة جداً لإزالة ورم سرطاني خبيث في الولايات المتحدة. وكنت وقتها أنا في جدة في صلاة الجمعة أنصت للخطبة، وبدأ الفاصل الحزين من الدعاء على اليهود والنصارى، واعترضت على ذلك وقلت: أأدعي على اليهودي الذي سيجري العملية لابنتي (وكان الطبيب جراحاً يهودياً)؟ كيف أدعي على إنسان لم يؤذني؟ بل أنا أدعو له بالتوفيق. وبدأت في استرجاع مواقف حصلت معي من يهود من العالم العربي بشتى ألوانهم، هناك سيرج بيرديغو، وزير السياحة المغربي من 1993 حتى 1996، الذي قال لي: نحن في المغرب لدينا حقوق المواطنة بالكامل؛ ولقائي بروبين في البحرين، تاجر الإلكترونيات الشهير، صاحب الدكان المشهور القريب من باب البحرين، وكان يروي لي عن احترام البحرين لحقوق اليهود فيها. وبعيداً عن هذين المثلين، كانت هناك قصص مأساوية عن حقوق مسلوبة، ومعاملة عنصرية مهينة، وأملاك تم الاستيلاء عليها بالقوة والإجبار دون ذنب اقترفوه.
هذه الأمثلة عرفت في دول مثل العراق وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر والسودان وتونس واليمن. العراق خرجت منه عائلة قدوري، وهربوا إلى هونغ كونغ، ليؤسسوا فيها أعرق الفنادق (البننسويلا)، الذي تحول مع الوقت إلى سلسلة محترمة حول العالم، كذلك خرجت عائلة «ساعاتي»، واستقرت في بريطانيا، لتصبح رائدة صناعة الإعلان (ساتشي). ومن سوريا، خرجت أسرة صفرا إلى البرازيل، لتؤسس أهم إمبراطورية مالية. ومن مصر، خرجت أسرة شيكوريل صاحبة المتاجر العملاقة. كل هذه النماذج خسرها الاقتصاد والمجتمع العربي الذي لم يستطع إثبات التسامح بشكل عملي، وتحول إلى نموذج إقصائي.
جريمة إسرائيل الدنيئة ضد الفلسطينيين لا تبرر جنس العمل نفسه على مواطنين لا علاقة لهم بإسرائيل سوى أنهم على الملة اليهودية نفسها.