د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

طرابلس رهينة للميليشيات وسطوتها

رغم التسويق الإعلامي الذي تمارسه بعض أطراف الصراع السياسي في ليبيا بكون العاصمة طرابلس تتمتع بالأمن والأمان، و«خالية» من الميليشيات وسطوتها، إلا أن واقع الحال يدحض دعواهم ويفضح أكاذيبهم، فالعاصمة التي لم يسلم رئيس الحكومة الأسبق «علي زيدان» من الخطف فيها مرتين وكادت تودي بحياته في تكرار مشهد مافيوي ليبي لسيناريو اختطاف «الدو موروا» رئيس الحكومة الإيطالي في السبعينات، وتكرر الخطف للعديد من الشخصيات بين ناشط مدني أو حقوقي أو سفير أو حتى خفير حتى طال الأمر اختطاف المدعي العام العسكري في حكومة السراج المسماة «الوفاق الوطني» الذي لم يسلم هو الآخر من الخطف وهو المسلح والمحاط بجنده وعسكره.
سيطرة الميليشيات على العاصمة طرابلس بدأ منذ الأيام الأولى لحراك فبراير (شباط) 2011 الذي انتهى بالفوضى وانتشار السلاح، حيث لم تكن هناك أي نية صادقة أو جهد صادق لجمعه ولملمة الفوضى من قبل حلفاء الناتو الذين أسقطوا الدولة الليبية لتنهشها الميليشيات المؤدلجة وميليشيات الإسلام السياسي والتي تأتمر بأوامر من الخارج يتنوع بين البغدادي والظواهري والمرشد وجماعته يوحدها فقط استمرار الفوضى.
الميليشيات ليست حكرا على طرابلس فهناك أكثر من 300 ميليشيا مسلحة خارج الشرعية، إلا أن تواجد الميليشيات في طرابلس التي هي العاصمة وموطن الحكومة المفترض، يجعل من الحكومة رهينة لها وتحت سطوتها وابتزازها، رغم ادعاء البعض تبعيتها للدولة إما تحت وزارت كالداخلية أو العدل أو الدفاع بينما الحقيقة غير ذلك، وأثبتت الحوادث أنها خارج سيطرة الحكومة في طرابلس.
ميليشيات الإسلام السياسي كشفت عنها وثائق واغادوغو التي عثر عليها في مجمع قاعات واغادوغو في سرت بعد خروج داعش منها، والتي فككت طلاسم وأسرار وخفايا الإخطبوط المسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، بالتعاون مع داعش وأخواتها، التي منها الجماعات الإسلامية الليبية المقاتلة، والتي مرشدها الروحي المفتي المعزول صادق الغرياني الذي أوغل في التحريض على القتل والحرب حتى إذا جنحت بعض الأطراف إلى السلم ظهر الغرياني وأشعل فتيل الحرب وإهدار دماء المسلمين مكررا التحريض والدعوة إلى الحرب على سكان مدينة بنغازي خاصة، فكثيرا ما ظهر وقال لأنصاره الحرب في بنغازي اذهبوا إلى هناك، الغرياني وصف داعش بأنهم «إخوة له» كما أن الجماعة الليبية المقاتلة والتي سبق لها أن بايعت تنظيم القاعدة وكانت نشأتها خارج ليبيا ما بين جبال تورابورا ومانشستر ولندن حيث كانت تقيم القيادات وتجد المأوى والتستر أحيانا والتي يتزعمها المطلوب دوليا بلحاج وخالد الشريف ومفتيها سامي الساعدي هي الأخرى إحدى ميليشيات الإسلام السياسي.
كما أن طرابلس تحتضن ميليشيات هي ذات تركيبة جهوية تتحدر من مدينة أو قبيلة واحدة مثل كتيبة ثوار طرابلس ولواء الحلبوص ولواء المحجوب وكتيبة المرسي وحتى التي خرجت من طرابلس مثل الصواعق والقعقاع، والتي جميعها لا يمكن أن تشكل جيشا وطنيا ما لم تحل وتفكك ويعاد تشكيلها بشكل وطني متنوع من جميع القبائل والمناطق، وليس بتركيبة جهوية، فالجيش الوطني أو الحرس الوطني الحقيقي لا يمكن تشكيله من كتائب مؤدلجة أو أخرى جهوية مناطقية، فهذا لن يحقق أي نوع من الولاء الوطني بقدر الانتماء الجهوي أو الفئوي أو الحزبي.
هناك كتائب أخرى في طرابلس مثل كتيبة الردع ذات التوجه السلفي، والتي تعلن التبعية لوزارة الداخلية إلا أن هناك من يوجه لها الانتقاد خاصة وهي تدير سجنا داخل مطار معيتيقة المنفذ الجوي اليتيم في طرابلس بعد أن دمرت ميليشيات الإسلام السياسي في تحالف فجر ليبيا مطار طرابلس العالمي بطائراته وبنيته التحتية وأشعلت النيران فيما تبقى من ركامه.
استمرار وجود الميليشيات في طرابلس العاصمة في ظل تغاضٍ أممي من الأمم المتحدة وتجاهل دولي، سوف يشكل خطرا إقليميا إن لم يكن دوليا، فهدف هذه الميليشيات ليس السيطرة على طرابلس الليبية دون غيرها من عواصم المنطقة لتضمها لمسبحة الخلافة المزعومة.