هيو هيويت
TT

إقالة تيلرسون كانت ضرورة

خلال أول برنامج لي على شبكة «إم إس إن بي سي» في يونيو (حزيران) الماضي، تقابلت في لانغلي مع مايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والذى تولى منصب وزير خارجية الولايات المتحدة. ولن تسعفنا القراءة السريعة لنص المقابلة في تفسير التغييرات المفاجئة في العاصمة واشنطن فحسب وإنما قد تبعث برسالة طمأنة إلى أي إنسان بعقلية منصفة بأن رفع مستوى المواهب وتعزيز الثقة الرئاسية بات على قدم وساق.
كان من العسير تماماً العثور على أي شخص داخل البيت الأبيض لديه كلمة سيئة يتفوه بها بشأن شخصية أو سمات ريكس تيلرسون، أو ربما كلمة جيدة يقولها بشأن قيادته لوزارة الخارجية الأميركية. كانت حالة الاحتكاك قد بلغت منتهاها بين جوقة موظفي البيت الأبيض وبين كبيرة موظفي تيلرسون، مارغريت بيترلين، وتلك الحالة كانت من أسوأ الأسرار المخفية داخل أروقة السياسة الداخلية في واشنطن. هذا وقد أثار التباطؤ الشديد في شغل المناصب السياسية الرفيعة الشاغرة حالة من الغضب الشديد في أوساط المحافظين في قطاع الأمن القومي. ويميل عشاق السياسة الخارجية الأميركية إلى الإعجاب الشديد بشخصية مدير تخطيط السياسات، برايان هوك، ولكن خاب النظر من دون جدوى بين أركان الوزارة بحثاً عن أي شخص آخر يحمل أي قدر من الفكر أو الرؤية إزاء العالم الذي تعمل الوزارة على ربطه بالولايات المتحدة.
ولا تزال الوظائف الرئيسية الأخرى شاغرة، بما في ذلك منصب وكيل وزارة الخارجية لشؤون الحد من الأسلحة والأمن الدولي، وممثل الحكومة الأميركية إلى بعثة الأمم المتحدة في جنيف؛ وتتعلق هاتان الوظيفتان كثيراً بمساءلة إيران على بنود الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة باراك أوباما السابقة. ويعتبر منصب وكيل وزارة الخارجية للإدارة من المناصب الشاغرة كذلك، حتى رغم توافر البيروقراطيين المخضرمين السابقين والذين خدموا لدى الرؤساء الجمهوريين من قبل.
كما فشل السيد تيلرسون كذلك في دفع المرشحين لمناصب السفراء المهمة، مثل ريتشارد غرينيل كسفير لدى ألمانيا، وهي أهم دولة غير نووية على مستوى العالم. وهناك سفارات أخرى على قدر كبير من الأهمية، مثل كوريا الجنوبية، وتركيا، وجنوب أفريقيا، والتي تفتقر حتى إلى وجود مرشح لشغل منصب لسفير، برغم وجود الكثير من الشخصيات المؤهلة للغاية لشغل هذه المناصب. كذلك، أسفرت الأعمال المكتبية الهائلة لدى وزير الخارجية المنعزل تماماً وغير المؤثر بالمرة عن اتفاق ما بين المحافظين من مؤيدي الرئيس دونالد ترمب وكبار موظفي وزارة الخارجية المخضرمين إلى اعتبار الوزارة كمثل حطام السفينة الضخمة.
وليس من قبيل المصادفة أن يستخدم الرئيس ترمب لفظة «الطاقة» عند حديثه بشكل مقنع حول مرشحه الجديد. فمن المنتظر للسيد بومبيو أن يعمل بكل سرعة وبكل حماس مع الحلفاء الرئيسيين مثل توم كوتون (الجمهوري من أركنسو) في مجلس الشيوخ بهدف إعادة تفعيل الوزارة وتنشيطها. وكان السيد بومبيو الأول على دفعته في الأكاديمية الحربية الأميركية (ويست بوينت)، وكان محرراً في «هارفارد لُو ريفيو - دورية هارفارد القانونية»، ومن ثم فهو يملك الخبرة الأساسية التي تؤهله للإبحار في مستنقعات السياسة في العاصمة واشنطن تلك التي استقاها من عمله لدى مؤسسة «ويليامز آند كونلي» القانونية قبل أن ينتقل إلى أقصى حد يمكنه من ويتشيتا في ولاية كانساس إلى النجاح الرائع في عالم المال والأعمال ثم إلى الكونغرس. في خاتمة المطاف.
والأهم من ذلك، فإن بومبيو يتفق مع الرئيس الأميركي بشأن الأولويات ويدرك تماماً أن وظيفته تتعلق بخدمة أجندة أعمال الرئيس ترمب، وليس صياغة جدول الأعمال الخاص به. وعندما يقول بومبيو لأحد نظرائه: «الرئيس يعتقد...» فإن ذلك يعني اتفاقه التام مع ما يقصده الرئيس الأميركي. وعلى غرار جورج شولتز مع الرئيس الراحل رونالد ريغان، وهنري كيسنجر مع الرئيس ريتشارد نيكسون، يحتاج الرئيس إلى ذراع يمنى تحظى بالثقة الراسخة، وليس مجرد شخصية منعزلة تحمل قدراً كبيراً من الشكوك في ولائها والتزامها بالأهداف الأساسية لمؤسسة الرئاسة.
وربما تكون هناك تغييرات أخرى قادمة في جعبة الرئيس الأميركي مع دخوله العام الجديد من النجاحات السياسة، غير أن مواطن الإخفاق الشخصي باتت تعيد توجيه الدفة نحو انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس. ومن شأن وزير الخارجية بومبيو أن يكون جزءاً مهماً من فريق الأمن القومي الأميركي الذي حقق نجاحات مهمة وكبيرة، والذي يضم وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، وغير ذلك من أعضاء مجلس الوزراء الأميركي فضلاً عن كبار القادة في وزارة الدفاع.
ويبدو أن ترشيح الرئيس الأميركي السيدة جينا هاسبل لشغل منصب مديرة وكالة الاستخبارات المركزية، خلفاً لمايك بومبيو، يحظى بقدر كبير من الثقة لدى الرئيس ولدى سلفها على المنصب الرفيع. ومع تسارع وتيرة التوظيف في مناصب وزارة الخارجية الأميركية، من شأن البلاد أن تقطع الصلة تماماً بسنوات من السياسات الكارثية التي فرضتها إدارة الرئيس أوباما في السابق. لقد كان تغييراً مفاجئاً وصارماً إلى حد ما، بيد أنه ضروري للغاية من زاوية الأمن القومي.
والآن، إذا ما قرر الأعضاء الديمقراطيون في مجلس الشيوخ، الذين عارضوا الكثير من العينيين المكلفين بحماية دفاعات البلاد ومصالحها، مع الأعضاء الجمهوريين في المجلس نفسه، فإن الأعمال الشاقة والعسيرة المعنية بمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد والاندفاعات الروسية المتهورة، سوف تشهد تسارعاً ملحوظاً في وتيرتها خلال الأيام المقبلة.

- خدمة «واشنطن بوست»