د. عبد العزيز بن علي المقوشي
الملحق الثقافي السعودي لدى بريطانيا
TT

الزيارة الاستثناء

ما يميز زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأخيرة إلى لندن، أن الاحتفال والاحتفاء البريطاني بها كان لافتاً. كما أنها حققت الأهداف المرجوة منها في مجال دعم وتطوير العلاقات وتعزيزها بين المملكتين الصديقتين.
ويمكن القول إن التركيز على الجانب الأكاديمي والتعليمي والثقافي منها يمثل نقطة تحول كبرى في مسار العلاقات السعودية - البريطانية، وقد عزز توقيع مذكرات التفاهم الشعور بوجود عمق استراتيجي وإجرائي لهذه العلاقات بين البلدين.
وليس سراً أن الزيارة قد تزامنت مع إطلاق «رؤية المملكة 2030» واستراتيجياتها وآليات عملها، وما يتصل بها من بلوغ بلادنا مرحلة نهضوية شاملة ذات شأن؛ مرحلة التحول من الكم إلى النوع... مرحلة التنوير الشامل... مرحلة النضج وقطف الثمار في المجال التنموي المحلي والدور الإقليمي الأصيل.
هذه الرؤية التي ترسم معالم برنامج شامل للتحول الوطني، تطرح على مستوى قطاع التعليم التجربة التربوية الرائدة للمملكة باعتبارها واحدة من الاستراتيجيات المهمة التي تشمل معالجة قضايا مثل التطرف والإصلاح الاجتماعي.
والحال أن زيارة ولي العهد إلى بريطانيا تدشن حقبة جديدة من العلاقات الثنائية بين البلدين. كما أنها تعزز أسس شراكة مثمرة تحقق مصالح واسعة النطاق لكل من المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة، بل إنها تتيح الفرصة لتطوير جميع مجالات التعاون بينهما في مجابهة تحديات دولية مثل الإرهاب والتطرف والقضايا الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد، أشارت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى أن «السعودية تتغير، وقد لاحظنا اتخاذ قرارات تتيح للمرأة قيادة السيارات، فضلاً عن قرارات أخرى تتعلق بالقوى العاملة في إطار (رؤية 2030) وتطوير قطاعات مثل الصحة والتعليم والبنى التحتية والسياحة، والمملكة المتحدة رائدة عالمياً في هذه القطاعات، مما يخلق فرصاً للعمل معاً».
وشددت ماي على أن «علاقاتنا القوية مع السعودية تسمح لنا بالحديث وفي شكل بناء في قضايا أمنية إقليمية وفي الصراعات والوضع الإنساني».
والحال أنه منذ عام 2010 أصبحت السعودية ثالث أكبر سوق للصادرات البريطانية، كما تعتبر ثاني أكبر مستثمر فيها بعد الولايات المتحدة... وهناك زهاء 300 مشروع مشترك تستثمر 17 مليار دولار، كما أن عدد الطلبة السعوديين المبتعثين في الجامعات البريطانية بلغ نحواً من 15 ألف طالب وطالبة يضاف إليهم مرافقوهم وأفراد أسرهم بما يصل إلى الثلاثين ألف سعودي يقيمون في المملكة المتحدة.
ولا شك أن ترجمة زيارة ولي العهد لهذه المعاني تبدو ماثلة في الانخراط الإيجابي لهؤلاء الطلبة المبتعثين ومرافقيهم في المجتمع المحلي البريطاني، فكانوا بذلك سفراء خطة التحول الاستراتيجي التي يصفها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالقول إن المملكة العربية السعودية «تعيش تحولاً تاريخياً من خلال رؤيتها 2030 وما تتخللها من برامج ومبادرات للتحول الوطني لبناء اقتصاد قوي ومتين يعتمد على تعزيز التنافسية وتنويع دعائم الاقتصاد الوطني. وهذا الهدف يتطلب جهوداً مخلصة ورؤى واضحة تمكن السوق السعودية من جذب الاستثمارات وتحسين قدرته على التنافس مع الاقتصادات العالمية. ونحن بفضل الله ثم بجهود أبناء وبنات هذا الوطن قادرون على مواجهة هذا التحدي، وقادرون بحول الله على صناعة تجربة اقتصادية أساسها الجودة والتميز».
ولم يكن تفاعل الجالية العربية والإسلامية في بريطانيا مع زيارة الأمير محمد بن سلمان وإنجازاتها اللافتة مستغرباً، لما للسعودية من دور بارز ومميز في مساعدة القضايا العربية والإسلامية والانتصار لها بالقول والعمل. كما أن اهتمام واحتفاء السعوديين بالزيارة وبولي العهد السعودي لهو دليل على تثمين المواطن السعودي وتقديره لقيادة تقف وراء تحويل الفكر إلى عمل... قيادة متميزة آمنت بقيمة الإنسان بوصفه الثروة الحقيقية، لضمان مستقبل زاهر؛ لحمته المواطن المتعلم وسداه التسلح بالمهارات اللازمة.
ولا شك عندي أن الناظر المتمعن صار في ضوء ذلك كله ينظر إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث من منظور احتفائنا بزيارة ولي العهد، وما تحمله من معانٍ ودلالات، باعتبارها تمثل مبادرة متميزة تجسد رؤية قيادتنا الرشيدة، وبصيرتها الثاقبة التي ترى أن التقدم للوطن والمواطن لا يتحققان إلا بالتعليم المستنير القائم على التوازن الدقيق بين ثوابتنا الثقافية والفكرية والأخلاقية، وبين قفزات التقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي الحديثة مع الانفتاح في الوقت نفسه على ثقافات العالم وحضارته.
أجزم أن هذه الزيارة وما سبقها وما سيتلوها من زيارات تمثل منعطفاً رئيسياً في الشأن السعودي الخارجي وبناء جديداً لخريطة العلاقات الإقليمية والدولية، بما سيصنع تفاؤلاً عميقاً بأن القادم السياسي والاقتصادي والاجتماعي سيكون إلى الأفضل والأجمل دوماً.

- الملحق الثقافي السعودي لدى بريطانيا