سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

من المتضرر من التقارب السعودي ـ المصري؟

لا أجد تفسيراً منطقياً للمستاء من الحراك السعودي تجاه أي دولة عربية. الهجمة الإعلامية الممنهجة التي رافقت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمصر، والتي أساءها كثيراً الإعلان عن مشروع «نيوم» بين مصر والسعودية فضحت وجهاً قميئاً ولكل حاقد على المملكة العربية السعودية بشكل مقزز، وكشفت لنا أن حلم الوحدة العربية يعد الآن كابوساً للأحزاب المتطرفة.
لمَ الاستياء والتشكيك في سياسة التقارب وسياسة التعاون وسياسة التكامل التي تسعى لها المملكة العربية السعودية مع أي دولة عربية؟ لمَ الهواجس والتخوف من ربط المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية بين السعودية ومصر والسعودية ولبنان والسعودية والعراق؟ من هم أولئك المشككون؟ أهم عرب؟ هل هم من أجيال دعاة الوحدة العربية؟ أم أن هذا الجيل اختفى؟ ألم يكن ذلك «حلمنا طول عمرنا»؟
لمَ إذن الهجوم على سعد الحريري لأنه زار السعودية؟ لمَ الهجوم على الرئيس السيسي لأنه استقبل ولي العهد السعودي الاستقبال اللائق؟ لمَ الاستياء من فرح الجماهير العراقية واحتفائهم بالفريق السعودي الذي لعب على أرض العراق؟
لمَ التشكيك في كل ما طرح من مشاريع مشتركة بين المملكة العربية السعودية ومصر في الزيارة الأخيرة وعلى رأسها مشروع «نيوم»؟ كذب وادعاءات وتزوير وتحريف وهستيريا تزامنت مع كل إعلان عن أي مشروع مشترك بينهما.
الأرض التي في سيناء والتي سيقام عليها جزء من مشروع المدينة العملاقة «نيوم» بالشراكة مع السعودية والأردن أطلقت عليها وكالات الأنباء والصحف الأجنبية بأنها «ميغا سيتي»، إذ تبلغ مساحتها 33 مرة مساحة مدينة نيويورك، وإقامة جزء من تلك المدينة على الأراضي المصرية ستكون مكسباً للشعب المصري، إذ ستتحرك على أثره العديد من القطاعات الاقتصادية في السوق المصرية وستوجد العديد من فرص العمل، كما قالت «سي إن بي سي» مثلاً أو كما قالت عنها قناة «فرنسا 24» إن ضخ 10 مليارات دولار لاستثمارها في هذه الأرض المصرية سيكون من المشاريع الضخمة التي ستعود بالفائدة على مصر، أي أنه في الوقت الذي تحدثت فيه جميع وكالات الأنباء الأجنبية ووسائل الإعلام الأجنبية بإيجابية عن هذا المشروع وأشادت بجدية ولي العهد السعودي في تحقيق هذا المشروع، بأنه ضمن ميزانية المشروع وضع جدول زمني لتنفيذه وتهافتت عليه اليابان وبريطانيا وفرنسا لتنال جزءاً من مكاسبه، ظهر من يقول إن تلك الأرض «هبة» من الرئيس السيسي للأمير محمد بن سلمان!!
لمَ التشكيك في جدية حراك القيادة السعودية للتكامل السعودي - المصري أو السعودي - الأردني أو السعودي - اللبناني؟ مم الخوف؟ ما الضرر؟ أو بالأصح من المتضرر؟! وهنا تكمن القصة والمشكلة؛ أن هناك عرباً مرعوبين الآن ومصابين بهواجس وخوف من هذه المشاريع الاقتصادية الضخمة المشتركة بين السعودية والدول العربية الأخرى.. كلما تحركت السعودية نحو دولة عربية انطلقت حملات التشكيك وحملات التخويف.
ألم نكن كشعوب عربية من أقصاها إلى أقصاها شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً نختلف على كل شيء، نختلف على أصولنا وأعراقنا.. لهجاتنا ونعراتنا وشعوبيتنا لكننا على الأقل كنا نقف على أرضية مشتركة جميعنا بلا استثناء، وهي اتفاقنا على لوم أنظمتنا العربية بأنها عاجزة عن تحقيق حلمنا المشترك بالوحدة العربية؟ وعاجزة عن تحويل خطبها الإنشائية إلى برنامج عملي يحقق التكامل الأمني والاقتصادي بين دولنا؟ ونلومها على فشل جميع تجاربنا الوحدوية، ونعايرها بالاتحاد الأوروبي أو الآسيوي أو حتى الأفريقي؟ إذن ما الذي يضرنا أو يسيئنا من التقارب السعودي مع بقية الدول العربية؟ ما هذه الهجمات الإعلامية التشكيكية لأهداف زيارة سعد الحريري إلى السعودية؟ وحملات التشويه لزيارة ولي العهد السعودي إلى مصر؟
كيف نجحت الآيديولوجيا الحزبية المتطرفة في مسح الذاكرة القومية العربية تماماً من أجيال العقود الثلاثة السابقة، وتم تركيب الهوية والانتماء المذهبي تحديداً لا الديني مكانها.
لم يعد هناك حلم بوحدة عربية أو تنسيق عربي أو تكامل عربي لدى الأجيال الحالية من الشعوب العربية، بل استبدل بالحلم الحزبي، فتهلل هذه الأجيال وتبارك وتضخم لأي تقارب من أي نوع بين أي دولة عربية ومراكز القيادة الحزبية، تشكك وتتوجس من أي تقارب يأتي لمصالح قومية عربية أو حتى لمصالح وطنية، فبعد أن مسحت تلك الأحزاب الذاكرة الوطنية نجحوا في مسح الذاكرة القومية العربية.