مارك ثيسن
كاتب اميركي
TT

كارثة أوباما في العراق

في عام 2011 كان الموقف في العراق جيدا جدا، لدرجة أن إدارة أوباما كانت تحاول بالفعل نسب الفضل فيه لنفسها، إذ أعلن نائب الرئيس جو بايدن أن العراق «قد يكون من أعظم الإنجازات التي حققتها إدارته». الآن في عام 2014، في الوقت الذي ينزلق فيه العراق إلى الفوضى، يحاول الديمقراطيون إلقاء اللوم في الفشل - كما توقعت - على الرئيس السابق جورج دبليو بوش. صرحت زعيمة الأقلية في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي «لا أعتقد أن هذه مسؤوليتنا»، معلنة أن الكارثة التي وقعت حاليا في العراق «تمثل السياسات الفاشلة التي أوقعتنا في هذا المسار منذ عشرة أعوام». عذرا، لكن هذه الفوضى من صنع الرئيس أوباما. عندما تولى أوباما السلطة تسلم عراقا هادئا، حيث لحقت الهزيمة بالإرهابيين على المستويين العسكري والآيديولوجي. على الجانب العسكري، بفضل تعزيز القوات الذي أجراه بوش، بالإضافة إلى حركات الصحوة السنية، أخرج تنظيم القاعدة في العراق (الذي تحول الآن إلى ما يعرف باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو «داعش» اختصارا) من معاقله التي أقامها في الأنبار ومحافظات عراقية أخرى. لم يكن التنظيم يسيطر على أراض كبيرة، كما قتل قائده أبو مصعب الزرقاوي على يد قوات العمليات الخاصة الأميركية. أما على الجانب الآيديولوجي، فقد تعرض الإرهابيون للرفض الشعبي. كان من المفترض أن يكون العراق مكانا يحشد فيه تنظيم القاعدة جماهير السنة لطرد أميركا من بلادهم، ولكن بدلا من ذلك انضم بعض السنة إلى الأميركيين من أجل طرد القاعدة - وفي ذلك هزيمة آيديولوجية نكراء.
تسلم أوباما هذا الإرث وبدده، بارتكاب خطأين كارثيين:
الأول هو أنه سحب جميع القوات الأميركية من العراق - مما سمح للإرهابيين المنهزمين بإعادة التجمع وتكوين صفوفهم.
أما الخطأ الثاني فكان فشله في دعم المعارضة المعتدلة الموالية للغرب في سوريا المجاورة - مما أتاح فرصة لتنظيم داعش لملء هذا الفراغ. استحوذ التنظيم على مساحات واسعة من الأراضي السورية، وأقام ملاذا آمنا له بها من أجل تجنيد وتدريب آلاف من الجهاديين، وأعد لهجومه الحالي على العراق. وكانت النتيجة: عندما تولى أوباما السلطة كان الإرهابيون مطرودين من ملاذهم الآمن؛ وفي الوقت الحالي عادوا ليهددوا بالاستيلاء على الدولة. يوشك العراق الآن على التحول إلى ما كانت عليه أفغانستان في التسعينات.. ملاذ آمن يجري فيه التخطيط لهجمات تستهدف أميركا وحلفائها.
لم يكن من المفترض أن تسير الأمور على هذا النحو. في عام 2011، أوصى القائد الأميركي في العراق الجنرال لويد جيه أوستن الثالث بأن يبقى ما بين 14 ألفا إلى 18 ألف جندي في العراق (بعد أن كان عددهم 45 ألف جندي). رفض البيت الأبيض توصية أوستن، معربا عن قلقه بشأن «التكاليف والصورة السياسية». لذلك خفض قادتنا طلبهم إلى 10 آلاف جندي - وهو الرقم الذي ذكر القادة أنه قد يستطيع العمل «في أسوأ الاحتمالات». ولكن رفض البيت الأبيض ذلك أيضا، مصرا على أن يتم تخفيض الرقم إلى ما بين 3000 و4000 جندي - وهو مستوى غير كاف لتوفير حماية للقوة وتدريب العراقيين، ناهيك عن تحقيق التوازن في مواجهة إيران.
من جانبهم، رأى قادة العراق أن الولايات المتحدة تتجه إلى الخروج، وقرروا أن القوات الأميركية المحدودة التي سيتركها أوباما في البلاد، لا تستحق التكاليف السياسية الناجمة عن منح الأميركيين حصانة من المحاكمة أمام النظام القضائي العراقي. لذلك رفض العراق عرض أوباما، وسحبت الولايات المتحدة جميع قواتها. وفي الوقت الراهن، يستعيد «داعش» السيطرة على مدن تحررت بالدم الأميركي، حيث استولى على الموصل وتكريت وتلعفر ويقترب من مشارف بغداد.
بالإضافة إلى ذلك، لا يعد تنظيم داعش العدو الوحيد للولايات المتحدة، الذي يستفيد من فراغ القوة الذي تركه أوباما في المنطقة. كذلك إيران. منذ شهر، طلب القادة العراقيون من الولايات المتحدة شن غارات جوية على مواقع لـ«داعش»، ولكن قوبلت تلك الطلبات بالرفض من أوباما. لذلك لجأ العراقيون إلى إيران لطلب المساعدة.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، سافر الفريق قاسم سليماني، القائد الوحشي لفيلق القدس الإيراني سيئ السمعة، إلى بغداد لإرشاد العراقيين إلى كيفية الدفاع عن بغداد. هذا هو الرجل الذي أقام الميليشيات الشيعية في العراق، وقدم تمويلا لها وسلحها بالعبوات الناسفة الخارقة - وهي عبارة عن قنابل معقدة تخترق الدروع السميكة وتزرع على جوانب الطرق، وقد أسفرت عن مصرع مئات من القوات الأميركية. وإذا ظننت أن الأمور لا يمكن أن تزداد سوءا عما هي عليه الآن، فإليك ما نشرته «وول ستريت جورنال» عن أن أوباما «يستعد للبدء في إقامة مباحثات مباشرة مع إيران حول كيفية مواجهة العدوين القديمين للجماعات المسلحة». نعم ما تقرأه صحيح. يخطط أوباما للعمل مع إيران لمواجهة «داعش» في العراق. بمعنى أن قواتنا ربما تقدم في خلال فترة قريبة غطاء جويا للإيرانيين ذاتهم الذين كانوا يقتلونهم. لو كان أوباما استمع إلى نصيحة قادته في الميدان، ربما لم يكن لـ«داعش» أن يتجه صوب بغداد اليوم، ولم تكن إيران حينها سوف تتدخل لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة. بفضل أوباما، ربما نجد أنفسنا قريبا في موقف نساعد فيه أعداءنا المتطرفين الشيعة (إيران) على محاربة أعدائنا المتطرفين السنة (داعش) من أجل السيطرة على العراق.
إنه «إنجاز» بالفعل.
* خدمة «واشنطن بوست»