د. شملان يوسف العيسى
كاتب كويتي
TT

معنى المواطنة الحقيقية

رشح حزب النهضة الإسلامي التونسي المواطن التونسي سيمون سلامة؛ اليهودي الديانة، عن حركة النهضة في الانتخابات البلدية المقبلة.
وبرر قياديون في حزب النهضة هذه الخطوة بأنها تجسد انفتاح «النهضة»، فيما يرى آخرون أن هذه الخطوة عبارة عن مناورة سياسية لكسب مزيد من الناخبين في الاستحقاق البلدي المقبل.
هذه الخطوة تجسيد لمفهوم المواطنة التي لا يكون فيها الاعتبار للهوية الدينية بقدر ما تركز على مبادئ الكفاءة وخدمة مطالب الشعب.
الخطوة التي اتخذها حزب النهضة خطوة جريئة، ونحن بحاجة إلى مصالحات تاريخية على ضوء ما تشهده المنطقة من اختلافات دموية ذات طابع طائفي وقبلي، وهي تأكيد على أن النهج الديمقراطي الذي اتخذته تونس هو النهج الصحيح لتأكيد مفهوم المواطنة الحقة.
ما يهدف إليه حزب النهضة هو تأكيد أن تونس العربية ستكون أول دولة عربية تتبنى النموذج الغربي للديمقراطية رغم اختلاف تونس الثقافي عن الغرب.
ما يطمح إليه «النهضة» في تونس هو إعادة النظر في الفكر العربي الإسلامي السائد للخروج من المأزق التاريخي أولاً، ومن ثم بناء دولة القانون ودولة المؤسسات التي يجب أن تقود البلد إلى التنمية والازدهار.
السؤال: لماذا جاءت تجربة تونس الديمقراطية مختلفة عن بقية أقطار العالم العربي الكبير، ولماذا جاء حزب النهضة المتفرع من الإخوان المسلمين، مختلفاً عن غيره من الأحزاب الإسلامية؟
هنالك أسباب كثيرة تجعل تونس تختلف عن بقية أخواتها العرب، فالموقع الجغرافي القريب من القارة الأوروبية، والتاريخ الطويل من الانفتاح المدني الديمقراطي في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ونضاله غير الدموي ضد فرنسا، وتبني مفهوم العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة منذ بداية الاستقلال... عزز دور المنظمات المدنية؛ وتحديداً النسائية منها، حيث أصبحت المرأة التونسية قوة لا يستهان بها.
تجربة تونس وتعزيزها مفهوم المواطنة ليسا قضية القيادة السياسية أو حزب حاكم أو في المعارضة... تجربة تونس تفيد بأن المشكلة لا تتعلق بالقيادة السياسية؛ بل مرتبطة بالمجتمع المدني.
لدينا تجارب عربية فاشلة في تعزيز الديمقراطية وترسيخها في بلداننا؛ فالدول والشعوب التي لا تولي أي اعتبار لقضايا العدالة والمساواة وتعزيز مفهوم المواطنة واحترام الآخر، ولا تعير أي اهتمام لقضايا المشاركة، لن تنعم بالاستقرار، لأن مؤسسات الدولة ليست مبنية منذ استقلال هذه الدول على مفهوم دولة القانون وفكر التسامي الذي يحترم ويعزز مفهوم الاختلاف.
الأمر الذي يجب التأكيد عليه بصفتنا عرباً هو عندما تكون مصالحنا مشتركة والمواطنون متساوين تحت حكم القانون؛ لا فرق بين السني والشيعي والمسيحي واليهودي وغيرهم من الأقليات؛ يرتبطون كلهم بالمفاهيم الإنسانية... عندما يعرف كل طرف أن مصالحه موجودة عند الطرف الآخر، عندها سيعيش مع الطرف الآخر بتسامح وحب واحترام، وهذا ما هو موجود في العالم الديمقراطي الحر.
من المفارقات الغريبة أن الدولة الصهيونية (إسرائيل) سمحت للفلسطينيين العرب المقيمين في إسرائيل منذ عام 1948 بالتصويت في الانتخابات، ولديهم أحزاب عربية مختلفة أوصلت بعضها نواباً إلى البرلمان الإسرائيلي.
واقعنا العربي المريض لا توجد فيه ديمقراطيات حديثة، لذلك جاءت التجربة التونسية محاولة لتغيير هذا الواقع.
نشكر المسؤولين في حركة النهضة الإسلامية لترشيحهم مواطناً يهودياً. ويزداد إعجابنا بحزب النهضة لأن حركات الإسلام السياسي في العالم العربي في معظمها ترفض التعددية الدينية والفكرية وتكفّر الآخرين؛ بل تحارب كل من يختلف معها.
هل هنالك إمكانية لأن تسود مفاهيم الحرية والمحبة والإخاء والحوار والتسامح مجتمعنا ودولنا؟
نقولها بكل صراحة ووضوح؛ لا يمكن إلا إذا تم تطبيق الديمقراطية في العالم العربي وتم إبعاد الدين عن السياسة، أو كما أكد الفيلسوف الفرنسي فولتير أن وجود التسامح الديني في المجتمع يتطلب الوقوف ضد كل أشكال التعصب من خلال إعلاء قيمة العقل، والبعد عن التزمّت، واحترام الحرية في كل مجال، خصوصاً حرية الاعتقاد وحركة الفكر الإنساني.